آخر نكت وطرائف أبو نتعة على الهواء مباشرة
ألا من كانَ لهُ فضلُ بِنطالٍ مُحترمٍ فليعُدْ بهِ على أبي نتعةٍ، ورحِمَ اللهُ من علّمهُ أصولَ اللبسِ الإفرنجيِّ وحُسنَ التهندمِ ، فقد رأيتهُ البارحةَ في برنامجِ ” على الهواءِ ” في ” قناةِ الصفوةِ ” ، من باقةِ قنواتِ ” أوربيت ” – أصلحَ اللهُ شأنَ القائمينَ عليها وهداهم – ، مع المُذيعِ الظريفِ المُفاكهِ : عمادِ الدّينِ أديب ، وصاحبُنا قد لبسَ من اللباسِ فردةً وفريدةً ! ، وشكّلَ أشكالاً غريبةً بديعةً ، وكأنّهُ أحدُ الـhomelees في أمريكا ، فقد بدا وكأنَّ عليهِ مسحةً من البؤسِ ، وجلسَ متوتّراً حائراً ، كأنّما جلسَ على موقدٍ للجمرِ ، أو حُشيَ لهُ كرسيّهُ بالنّارِ .
كانَ معهُ في اللقاءِ شابّانِ آخرانِ ، أمّا أحدُهما فهو مصريٌّ بدا ذلكَ من لكنتهِ ، وأمّا الآخرُ فهو صحفيٌّ بأحدِ الجرائدِ ، وقد أعملَ الموسَ في لحيتهِ وشاربهِ ، كأنّما بينهُ وبينهما ثأراً رهيباً ، فتركَ بشرتهُ قاعاً صفصفاً ، وغدا وجههُ أنعمَ من المرآةِ في ملمسها ، وقد نسيتُ اسمهما ، فقد تشابهَ البقرُ علينا ، ولفرطِ البدائيةِ في الطرحِ ، والركاكةِ في الأسلوبِ ، غابَ عنّي كلُّ شيءٍ إلا الانبساطُ على وقعِ كلماتِهم المُخجلةِ .
كانَ صاحبُنا في الحوارِ أشبهَ بسيّارةٍ فيها سلكٌ مفصولٌ ، كل شوي وهو يتعتع وينتّع في الكلام ، ويحتاجُ إلى من يمدُّ لهُ يدَ العونِ والفزعة ، ولا يُقيمُ أودَ جملةٍ حتّى يكسرَ صُلبَ أخرى ، وكلّما هبدَ كلمةً أتبعها بشهقةٍ ، وكأنّهُ مطرودٌ أو ملحوقٌ ، أو أنَّ وراءهُ من يحسِبُ عليهِ كلماتِهِ وسكناتِهِ .
مُتطلّباتُ الظهورُ على القنواتِ لأمثالِ أبي نتعة وشلّتهِ لا تزيدُ على : بعضِ الكريماتِ والمبيّضاتِ ، والتميلح أمامَ الكاميرا ، وإظهارِ العيونِ وهي نواعسٌ وذوابلٌ – في لحظةٍ من الرومانسيّة الدايخة – ، والنحنحة عقب كلّ كلمة والثانية ، والظهورِ في مظهرِ البراءةِ واللطافةِ ، حتّى لو كنت طعساً ، فالإضاءةُ القويّةُ ستجعلكَ شخصاً كاريزميّاً ، وبعدَ ذلكَ استعنْ باللهِ ، ومدَّ أشداقكَ ومطّطْ براطمكَ ، واجمعْ لك مجموعةً من الكلماتِ التي تُنطقُ ولا تفهمُ ، وبينَ كلِّ كلمةٍ وأخرى ضعْ كلمةَ : أيدلوجيا ، سيكولوجيا ، سيسولوجيا ، وكلَّ كلمةٍ انتهتْ بـ لوجيا ، وها أنتَ ذا صرتَ مُفكّراً كبيراً ، تتكلّمُ في أمرِ الأمّةِ ، وتلعنُ أبا الرجعيةِ والتخلّفِ والتقوقعِ والفكرِ القديمِ البالي ! ، وتُنادي بتجديدِ الفكرِ الدينيِّ والخطابِ الثقافيِّ .
كنتُ أضحكُ وأنا أسمعهُ في اللقاءِ يُكرّرُ كلمة: أيدلوجيا، واللهِ إنّهُ ليخرجها بشقِّ الأنفسِ ، ويُعاني مُعاناةً كبيرةً ، ويشعرُ معها بدوارٍ شديدٍ ، وألمٍ في تلافيفِ مخّهِ ، ويبدو أنَّ صاحبَنا قد أخذَ جرعاتٍ تفوقُ بكثيرٍ قدرةَ عقلهِ الاستيعابيّةِ ، وطاقتهُ الفكريّةَ ، وحاولَ ملمّعوهُ أن يُلقّنوهُ ما أمكنهم من جملٍ وكلماتٍ ، لكنّهُ لم يستطعْ على ذلكَ ولم يهتدِ إلى شيءٍ من مرامهم ، وأصابهُ الترنّحُ والدوخةُ والدّوارُ ، وبدا في اللقاءِ وهو مسلوبُ الوعي ، يتكلّمُ ويهذي دونَ أن يأتي بشيءٍ مفيدٍ أو جديدٍ .
يمكنني القولُ أنّهُ جاءَ ليؤدي الواجبَ فقط ، وحاولَ البعضُ أن يغشّشهُ ويمدّهُ ببعضِ البراشيمِ ، ولكن العقليّةَ الفذّةَ للذايدي آلتْ أن لا تنجحَ إلا بجُهدها واجتهادها ، فخابتْ وخابَ راجوها ، حتّى إنَّ عمادَ الدينِ أديب أنهى اللقاءَ في سرعةٍ رهيبةٍ وبكلماتٍ خاطفةٍ ، بعدَ أن شرّهَ بهِ الحاضرونَ وطيّحوا وجههُ وهو المُحاورُ المعروفُ بلباقتهِ وأسلوبهِ الخاصِّ .
أبو نتعةٍ في غمرةِ الفرحةِ بالبدلةِ الجديدةِ ، غامرَ مُغامرةً فريدةً من نوعها ، وأصبحَ يفهمُ في وضعِ الجماعاتِ الإرهابيّةِ أكثرَ ممّا يفهمهُ وزيرُ الداخليّةِ والأميرُ سلمان وجميعُ المسئولينَ الآخرينَ ، فجاءَ ليعلّمهم ما جهلوهُ ونسوهُ وتذكّرهُ هو وعلمهُ ، فقالَ بعد أن مدَّ أشداقهُ : السببُ فيما يحصلُ هو المناهجُ الدراسيةُ ! .
طلع غبار مع الكلمة ، أليسَ كذلكَ ؟ ، يخرب بيتك يا أبو نتعة لأي درجة قديم في التفكير وسطحي في مُعالجة القضايا .
يا مُتخلّفُ : ربطُ الإرهابِ بالمناهجِ تمَّ نفيهُ وردّهُ والتأكيدُ على ذلكَ وأنتَ نايم في العسل ، والأمير نايف والأمير سلمان يقولونُ لا علاقةَ للمناهجِ بالإرهابِ ، ولن نُغيّرَ المناهجَ ، وأنَّ هذا الرّبطَ بينَ الإرهابِ وبينَ المناهجِ هو من افتعالِ بعضِ الصحفيينَ وزوبعةٌ لا أكثرُ ، والمثقفونَ الكِبارُ أصدروا بياناً شافياً ووافياً ، ذادوا فيهِ عن حِمى المناهجِ الدراسيّةِ ، وذكروا أنَّ المناهجَ بريئةٌ ممّا حدثَ ويحدُثُ ، وأنَّ هذه العملياتُ هي نِتاجُ فكرٍ وافدٍ ودخيلٍ ، وأنَّ وراءها أيادٍ خفيةً ومكراً مكرهُ بعضُ الأوغادِ من العربِ والعجمِ ، ويأبى صاحبُنا إلا أن يقولَ ما ورقتهِ التي جُهّزتْ لهُ وما لقّنهُ لهُ أولئكَ المعلّمونَ ، حتّى لو كانَ ذلكَ غيرَ موضوعيٍّ ، ولا يستطيعُ أن يحيدَ عن السيناريو قيدَ شعرةٍ ، أو أن يخرجَ عن النصِّ ، حتّى لا يجيب العيد ، وتُصبحَ فضيحتهُ في كلِّ وادٍ – وقد أصبحتْ كذلكَ – .
صارَ الفكرُ الجديدُ يقومُ على مبدأ : عنز ولو طارتْ .
ثُمَّ زاغتْ عينهُ مرّةً أخرى ، وانتفضَ انتفاضةَ المرعوبِ ، إذ تذكّرَ شيئاً حفظهُ وسهرَ لهُ الليلَ حتّى غيّبهُ ، وطلبَ من عمادِ الدينِ وقتاً ، فوهبهُ مُرادهُ ، وبدأ أبو نتعةٍ يُمارسُ هوايةَ الترنّحِ ، فقالَ : من أسبابِ الهجماتِ الإرهابيّةِ في بلادنا هو أنَّ الإعلامَ ينقلُ أخبارَ العراقِ ، وينقلُ ما يجري فيها من مذابحَ ، وهذا يؤثّرُ سلباً على بلادِنا ، ويتمُّ التفجيرُ فيها ، فلا بُدَّ من وقفِ الإعلامِ عندَ حدّهِ ! .
تمخّضَ الجبلُ فولدَ فأراً ، وصاحبُنا دارتْ دوائرُ الريحِ في بطنهِ وأمعاءهِ ، وآلمهُ جنبهُ ورُكنهُ ، وضربتْ فيوز مخه ، وحُلفَ عليهِ إلا أن يتكلّمَ ويُبينَ عمّا في صدرهِ ، فأتى بهذه النكتةِ اللطيفةِ الظريفةِ ، وكانتْ على مستوى عقليّتهِ وتكفيرهِ السطحيِّ .
هزُلتْ – واللهِ – .
أن يأتيَ الرويبضةُ التافهُ ليتكلّمَ في شأنِ الأمّةِ ويُحلّلُ ويُقيّمُ ويتّهمُ المناهجَ والخطابَ الدينيَّ والثقافيَّ بأنّها وراءَ الإرهابِ ، وكأنَّ وزراءنا ومشايخنا ومُثقفينا لم يكونوا من نِتاجِ هذه المناهجِ ولا من تلامذةِ ذلكَ الخِطابِ ، وهم بحمدِ اللهِ من الطبقةِ الواعيةِ المُدركةِ ، والذين يغرسونَ في الأجيالِ العدلَ والإنصافَ والسماحةَ واليُسرَ .
إنَّ من يسمعُ للذايدي – وهو يشتمُ مناهجنا وخِطابَنا – يعتقدُ أنّهُ أمامَ رجلٌ درسَ الفكرَ والعلمَ على أكابرِ أهلِ الفكرِ والفلسفةِ ، وأنّهُ رضعَ من ثدي زكي نجيب محمود ، أو قارعَ عبد الرحمن بدوي ، أو جلسَ في حلقةِ طه حُسين ، أو نادمَ مُحمد عابد الجابري ، ولكنَّ شيئاً من ذلكَ لم يكنْ ، فالرّجلُ كانَ مُتديّنا على طريقةِ الغلاةِ والمُتشدّدينَ ، النابذينَ للإنصافِ والعدلِ ، والمنكفئينَ على ذواتِهم في أقبيةِ التكفيرِ ، وفجأةً أُضيءَ لهُ طريقٌ فيهِ بقيّةٌ من زينةٍ وبهرجٍ ، فلم يتمالكْ نفسهُ وهو يرى عالماً جديداً لم يعرفهُ في فترةِ عُزلتهِ وشعثهِ .
وخلعَ عنهُ جِلبابَ الدينِ سِراعاً ورمى حظّهُ من العلمِ وراءَ ظهرهِ ، وحفِظَ لهُ كلماتٍ يسيرةً من المُصطلحاتِ الشائعةِ لدى النخبةِ الدّاجةِ ، واغترَّ بهِ بعضُ النّاسِ ، وظنّوهُ صيداً ثميناً سيُلقمُ أفواهَ الإسلاميينَ ، ومن أوّلِ ظهورٍ لهُ على المسرحِ ، أخذَ ضربةً قاضيةٍ لا زالَ يترنّحُ منها ومن مفعولها إلى الآنَ ، وأصحابهُ يعضّونَ أصابعَ الغيظِ على أنّهُ أخفقَ فيما رجوهُ وأمّلوهُ ، وبدلاً من أن يكونَ مدرهاً في وجهِ خصومهم ، أصبحَ تُحفةً نادرةً ونكتةً عابرةً يتندرُ خصومهُ بهِ وبمقالاتهِ ، كلّما ظهرتْ ، أو ظهرَ هو من وكرهِ لينشرَ مكرهُ .
هل عندَ أبي نتعة وربعهِ من علمٍ فيُخرجوهُ لنا ، غيرَ الهجومِ على المناهجِ ، والدعوةِ إلى نقضِ الخطابِ الدينيِّ الحاليِّ و التحرّرِ من الصبغةِ الثقافيّةِ الحاليّةِ ، أو الهجومِ المُستميتِ السافلِ على المُعلمينَ والمُعلماتِ ، واتّهامهم بأنّهم من فرّخَ الإرهابيينَ ؟ .
أرجو أن لا يتحدّثَ أبونتعة عن التدريسِ أو التعليمِ ، فهو الذي كانَ يرى تحريمها يوماً من الدهرِ ، وهو أبعدُ النّاسِ عن فهم التوسّطِ والوسطيّةِ ، لأنّهُ لم ينعَمْ بها يوماً في حياتهِ ، فقد قفزَ من اليمينِ إلى الشمالِ ، وطمرَ طمرةً يعجزُ عنها أفضلُ لاعبٍ في لعباتِ القفزِ في الألعابِ الأولمبيّةِ ، وتهاوى في مهاوي العقلانيّةِ الرديئةِ ، فصارَ كالمُستجيرِ من الرمضاءِ بالنّارِ .
أبونتعة وقومهُ مُضحكونَ ومؤنسونَ ، تركوا من أمرِ النّاسِ والفكرِ كلَّ شيءٍ يُفيدُ ، وتفرّغوا للبسِ البناطيلِ ، وتنعيمِ الوجوهِ ، والإغارةِ على اللحى حتّى صارتْ على رأي المثلِ : خيرُ الذقونِ خيطاً تكونُ ، وأصبحوا يتواعدونَ في مقاهي ستاربوكس ود . كيف ، ومن هناكَ يتباحثونَ أحوالَ الأمّةِ ، ويتذاكرونَ مباحثَ الأفكارِ ، وظنّوا أنّهم إذا لبسوا لباسَ الفرنجةِ سيصبحونَ مُثقفينَ ومُفكّرينَ ، ونفخوا في أنفسهم ، وكلّما رأوا برنامجاً يبحثُ عن ضيفٍ يهذي للهذيانِ فقط ، تراموا نحوهُ بأبصارهم وطمحوا إليهِ وجمحوا ، وجاءوا على وجهِ السرعةِ ، وقدّموا أنفسهم مبتذلينَ على أنّهم مُفكرونَ تحتَ الطلبِ ، وشِعارُهم : اتصل نصل ! .
في أيِّ برنامجٍ ، أو حادثةٍ ، أو كارثةٍ ، أو طامّةٍ ، تجدُ أبا نتعة قد رزَّ نفسهُ ، وبقّقَ عينهُ ، وسرّحَ ما بقيَ من شُعيراتِ رأسهِ بعدَ أن هاجمهُ الصلعُ في مُقدّمِ شعرهِ ، فهو مُغرمٌ بالإدلاءِ بالتصريحاتِ ، مولعٌ بالأضواءِ ، مع أنّهُ – ولا مؤاخذة – أعرابيُّ الطبعِ ، غليظُ البشرةُ ، متنافرُ التقاسيمِ ، يصلحُ مُذيعاً في سباقٍ للهجنِ ، أو مُقدّماً في برنامجٍ عن الباديةِ ، عن أن يكونَ مُثقفاً يقدّمُ حلولاً للنّاسِ ، ورؤىً وتصوّراتٍ تجمعُ ما تشعّثَ من حالهم .
لا أدري كيفَ تتحمّلُ جسمُ أبي نتعة روحَهُ الثقيلةَ ، وفكرهُ الضحلَ ، وعقليّتهُ البسيطةَ ، وتُطيقُ الصبرَ على ذلكَ ، فهو مليءٌ بالمتناقضاتِ ، همّهُ حشوُ الكلامِ ورصُّ الجملِ ، والمونتاج ما يقصّر ، والمكياج يبيّض الوجه ، والكاميرا تُخفي الرّجفةَ وأمَّ الركبَ ، وعندها أتذكرُ الطرفةَ الشهيرةَ ، والتي جاءَ فيها أنَّ رجلاً عظيمَ الأنفِ جدّاً ، جاءَ ليخطبَ امرأةً ، فقالَ لها : إنّي رجلٌ كريمُ المعاشرةِ مُحتملٌ للمكارهِ ، فقالتْ لهُ : لا شكَّ في احتمالكَ المكارهَ مع حملكَ هذا الأنفَ أربعينَ سنةً .
وما دامَ الحديثُ موصولاً عن الطرفةِ والطُرفِ ، وهو عن رجلٍ من طُرفِ الزمانِ ونوادرِ العصرِ – أعني أبا نتعة– فلا بأسَ بطُرفةٍ أخرى عن الأنفِ الطويلِ ، فقد ذكروا أنَّ الحافظَ أبا نُعيمٍ الفضلَ بنَ ذكينٍ كانَ ذا أنفٍ عظيمٍ جدّاً ، فنكحَ مرّةً امرأةً وأهوى إليها ليُقبّلها ، فقالتْ لهُ : نحِّ عنّا رُكبتكَ ، فقال لها : يرحمكِ اللهُ إنّما هذا أنفي وليستْ ركبتي .
إن كانَ لي من نصيحةٍ لهُ ولأضرابهِ من أربابِ الترنّحِ الفكريِّ ، والفضولِ الثقافيِّ ، أن يتوجّهوا إلى أقربِ مركزٍ للتمارينِ والرياضةِ ، ويقوموا بجلساتٍ لتدليكِ عقولهم وأمخاخهم ، والتي أصيبتْ بالإعياءِ والتعبِ ، من كثرةِ ما يُلقى عليها من كلماتٍ وجملٍ تُقرأ ولا تفهمُ ، وتُنطقُ ولا تُعلمُ ، يردّدونها كما يردّدُ أهلُ الشعوذةِ الطلاسمَ والتعاويذَ ، ويفرحونَ بها فرحَ الصغيرِ باللعبةِ ذاتِ الصوتِ الرنّانِ .
أبو نتعة وبقيّةُ شلّةِ الأنسِ إنّما هي أوراقٌ محروقةٌ ، وكروتٌ منتهيةُ الصلاحيّةِ ، ظنّوها يوماً ما شيئاً مُهمّاً ، فبانَ مع الأيّامِ أنّهم كالطبلِ الأجوفِ أصواتُهم أكبرُ من فكرهم ، يمشونَ في طريقٍ تهديهم فيهِ العُميانُ ، همّهم الوحيدُ الهدمُ لا الرّدمُ ، والفتقُ لا الرّتقُ ، يفرحونَ بأسماءٍ أعجميّةِ الصياغةِ ، ويكفهرّونَ للفكرِ الأصيلِ ، تجدهم طربينَ لفكرِ العقلانيّةِ ودعاةِ التغريبِ ، حانقينَ مُغتاظينَ من الفهمِ السلفيِّ للدينِ ، يُبدّدونَ وقتهم في الجلوسِ إلى شياطينِ الوهمِ والخيالِ ، ويمرحونَ في أوديةِ الجهلِ والضلالِ ، ولا يزالونَ كذلكَ حتّى تمضيَ الأيّامُ والسنواتُ ، فتُكشفَ لهم الحقيقةُ الغائبةُ ، ويُدركهم اليقينُ ، ثمَّ لم تكنْ لهم من حجّةٍ إلا أنْ قالوا : ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعملْ صالحاً إنّا موقنونَ .
ولكنْ هيهاتَ هيهاتَ ، ذهبَ وقتُ العملِ وجاءَ وقتُ النّدمِ ربّنا لا تُزغْ قلوبَنا بعدَ إذ هديتنا ، أنتَ وليّنا في الدّنيا والآخرةِ ، توفّنا مُسلمينَ وألحقنا بالصالحينَ .
دمتم بخيرٍ .
أخوكم : فتى.