دراسة جديدة: الحد من السعرات الحرارية أهم أسباب تباطؤ الشيخوخة
أجرى بعض العلماء دراسة على مجموعة من الأشخاص بعد تقليلهم لنسبة السعرات الحرارية، وتوصلوا إلى دليل قوي يثبت أن هذه القيود بخصوص السعرات الحرارية يمكن أن تبطيء عمليات الأيض البشري، تلك الأدلة رفعت الآمال بعد التأكد من أن اتباع أسلوب حياة منخفض السعرات الحرارية من شأنه أن يمد فترة التمتع بحياة صحية لأطول فترة ممكنة، بل ويمكن أن يساعد على تباطؤ الشيخوخة.
أكدت بعض التجارب التي أُجريت على العديد من الحيوانات قصيرة العمر كالديدان والفئران أن تقليل السعرات الحرارية من شأنه أن يخفض معدل عمليات الأيض ويؤدي إلى تباطؤ الشيخوخة، ولكن العلماء وجدوا صعوبة في إجراء التجارب على الكائنات الأطول عمراً كالبشر والتي لم تأت بعد باستنتاجات واضحة.
هذه الدراسة كانت ضمن تجارب أجراها عدد من العلماء في مراكز متعددة تحت عنوان CALERIE وهو اختصار لـ “التقييم الشامل للتأثيرات طويلة المدى لتقليل استهلاك الطاقة” والتي أُطلقت تحت رعاية معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، وقد عاينت التجارب تأثير الحد السعرات الحرارية لمدة سنتين على عمليات الأيض لـ 200 شخص من الأصحاء بدنياً.
تقول روزالين أندرسون التي تدرس علم الشيخوخة في جامعة ويسكونسن ماديسون،
“كان لـ CALERIE دوراً واضحاً في معرفة ما إذا كان في الإمكان تعديل وتيرة ظهور بوادر الشيخوخة عند البشر أم لا”
وتضيف روزالين أندرسون المسئولة عن واحدة من أعظم الدراسات المستقلة حول تقليل السعرات الحرارية عند قردة الريسوس:
“تقدم هذه الدراسة الجديدة أقوى دليل حتى الآن على أن كل ما تعلمناه في الحيوانات الأخرى يمكننا تطبيقه على أنفسنا”.
قام عدد من العلماء بإجراء أبحاث على 53 مشتركاً في تجربة CALERIE، ونُشرت الدراسة في 22 مارس في دورية Cell Metabolism، تم استقدام المشاركين إلى مركز بينينجتون لأبحاث الطب الحيوي في باتون روج، في لويزيانا (L. M. Redman et al. Cell Metab. http://doi.org/cmrx; 2018). تضم هذه المنشأة أربع غرف من بين أحدث عشرين غرفة لقياس الأيض في العالم، تلك الغرف تشبه غرف الفنادق الصغيرة محكمة الغلق، هذه الغرف يوجد بها تقنيات حديثة تقيس كمية الأكسجين التي يستنشقها قاطنوها كل دقيقة، وكمية ثاني أكسيد الكربون التي الذي يخرجونه، مما ساعد العلماء على معرفة كيفية استهلاك الأفراد للطاقة معرفة دقيقة، كما صرحت أندرسون. وبعد مقارنة النسبة بين الغازين ومستويات الهيدروجين في بول الأفراد المشاركين، استطاعوا معرفة ما إذا كان كل منهم يحرق الدهون أم الكربوهيدرات أم البروتين.
تتراوح أعمار المشاركين في التجربة بين 21 و 50 سنة، وتم تقسيمهم بشكل عشوائي إلى مجموعتين: 34 فرداً منهم قاموا بتخفيض نسبة تناولهم للسعرات الحرارية بنسبة 15%، بينما تناول 19 فرداً طعامهم على الوتيرة المعتادة. وفي نهاية السنتين، تم إجراء الإختبارات التي تتعلق بعمليات الأيض ومؤشرات الشيخوخة، كذلك تم وضع المشاركين جميعهم في غرف قياس الأيض لمدة 24 ساعة كاملة.
أظهرت الدراسة أن المشاركين في النظام الغذائي استخدموا الطاقة بكفاءة أكبر أثناء النوم، وذلك مقارنة بالمجموعة الأخرى، وأظهرت النتائج أن الإنخفاض في معدل عمليات الأيض الأساسية لديهم أكبر مما كان متوقع، وكانت جميع القياسات الإكلينيكية الأخرى تتماشى مع انخفاض معدل عمليات الأيض، كما أشارت إلى انخفاض الأضرار الناجمة عن التقدم في السن.
نموذج الأيض
منذ زمن بعيد والحد من السعرات الحرارية معروف بتأثيره في إطالة العمر في الكثير من الكائنات الحية، بدأ العلماء في تسعينات القرن الماضي تحديد الجينات والمسارات الكيميائية الحيوية التي لها دور كبير في إطالة عمر الدودة قصيرة العمر Caenorhabditis elegans والذبابة Drosophila melanogaster. وهذه المسارات ذات الصلة بالتحسس بالإنسولين، ووظيفة الميتوكوندريا، إنها هياكل خلوية، تقوم بتوليد الطاقة عن طريق الأكسجين، وقد أثبتت بعض الدراسات التي أُجريت مؤخؤاً أن الحد من السعرات الحرارية كان له تأثبر واضح في تغيير تلك المسارات ولكن في الفئران والقردة، عاشت الفئران التي تناولت وجبات منخفضة السعرات الحرارية فترة أطول بنسبة 65% بالمقارنة مع الفئران التي سُمح لها بالأكل كيفما تشاء بدون أي ضوابط. فيما تُلَمِّح الأبحاث والدراسات والتجارب القائمة حالياً على القردة إلى إمكانية إطالة أعمارهم، وتباطؤ ظهور علامات الشيخوخة.
“سوف تستمر أفضل الدراسات – التي تبحث في مسألة طول العمر البشري – لعدة عقود؛ لمعرفة ما إذا كان الناس يعيشون بالفعل مُدَدًا أطول، أم لا”.
هذا ما قالته ليان ريدمان، وهي المؤلف الرئيسي للدراسة الأخيرة وعالمة متخصصة في علم وظائف الأعضاء بجامعة بينينجتون. وقد استمرت تلك الدراسة -كاليري- لمدة عامين وكان الهدف الرئيسي لها هو معرفة مدى تأثير الأنظمة الغذائية منخفضة السعرات الحرارية على أعمار البشر، ومعرفة ما إذا كان النظام الغذائي محدود السعرات الحرارية يحفز بالفعل بعضاً من مظاهر النشاط الأيضي وتحفيز الهرمونات نفسها، تلك الخاصة بالتعبير الجيني، والتي يُعتقد أنها تشارك في تباطؤ الشيخوخة في بعض الكائنات الأخرى عند إتباع أنظمة غذائية طويلة المدى لتحديد السعرات الحرارية، أم لا.
ربما يرغب عدد قليل من الناس في الحد من السعرات الحرارية وإتباع أنظمة غذائية صحية، من المحتمل أن يتمكنوا من ذلك، كما فعل المشاركون في الدراسة.
تقول أندرسون:
“إن تمكننا من فهم البيولوجيا وراء دور تحديد السعرات الحرارية في إطالة العمر من شأنه أن يتيح لنا إيجاد طرق أسهل للتدخل”.
تُفكر ريدمان في إعادة الدراسة مرة أخرى، ولكن هذه المرة سوف تجمع بين عملية تحديد السعرات الحرارية بسهولة، أو على الأقل بطريقة أقل صعوبة، وأنظمة غذائية تحتوي على أطعمة مضادة للأكسدة، للحد من الأضرار التي تنتج عن جذور الأكسجين الحرة، أو إنتاج عقار يشبه عقار “ريسفيراترول” الذي يستهدف الجوانب الرئيسية للحد من السعرات الحرارية.
اختبر علماء آخرون تجربة الحد من السعرات الحرارية لبضعة أيام كل شهر، وكانت نتيجة تلك التجارب أن الحد من السعرات الحرارية بصورة متقطعة له نفس تأثير الحد منها بصورة مستمرة في حماية الفئران من أمراض الشيخوخة، مثل مرض السكري، والتنكس العصبي (V. D. Longo and M. P. Mattson Cell Metab. 19, 181–192; 2014).
يقول فالتر لونجو، خبير أمراض الشيخوخة من جامعة كالفورنيا الجنوبية في لوس أنجلوس،
“أعتقد أن هذه ستكون وسيلة للحصول على جميع الفوائد، دون التعرض لمشكلات اتباع نظام غذائي ثابت”
وجدير بالذكر أن لونجو هو الذي شرع في إجراء التجارب الإكلينيكية فيما يخص الحد من السعرات الحرارية بشكل متقطع أو بشكل مستمر وعلاقته بالاضطرابات المختلفة.