شيخ العوامر في الإمارات، الشيخ مسلم بن حم العامري وكتاب بن نعيف سيرة وديوان
كنت أتحدث مع صديقٍ لي، وهو من قبيلة العوامر، فأتينا على ذكر شيخ قبيلة العوامر في الإمارات، فقال لي: الله يعزه بن ركاض، فقلت له الله يعز الجميع ويبارك فيهم، ولكن أليس شيخ قبيلة العوامر الحالي هو الشيخ مسلم بن حم، الذي أخذها عن والده الشيخ سالم بن حم العامري رفيق الشيخ زايد رحمه الله؟
وكان لدي بعض الاطلاع على الأمر نظرًا لأني عملت على بحث سابقًا حول تأسيس مدينة العين واستعانة الشيخ زايد رحمه الله بقبيلة العوامر والشيخ سالم بن حم، الذي شغل منصب شيخ قبيلة العوامر منذ عام 1947، لكني أردت مناقشة صديقي إن كان متقصدًا ومتعصبًا أم أنه لا علم له.
قال لي أنه يعرف الشيخ سالم بن حم، وولده الشيخ مسلم بن حم، “ومشهورين بالعين وأبوظبي”، لكنه ليس متأكدا من موضوع المشيخة، وذكر لي أن ثمة خلاف في دوائره المقربة حول هذا الموضوع، وطلبني أن أساعده في البحث مهديًا لي كتابًا للقراءة، هو كتاب: بن نعيف العامري: سيرة وتاريخ وديوان.
فقلت في نفسي: خير، لعلها فرصة للتبحر في موضوع أحبه كثيرًا وهو تاريخ القبائل المعاصرة، ولعلي أنا جاهل بحقيقة الأمر أو قرأت معلومات مغلوطة، ولا عيب أن يكون الإنسان جاهلًا، لأن علاج ذلك العلم والدرس. أما إن كان في الإنسان كبر وغرور وعصبية، فلا علاج لذلك سوى التجاهل والاجتناب، والكبر خطيئة الشيطان الأولى أعاذنا الله وإياكم منها.
تتبعت الأمر، وقررت الوقوف على أصله وفصله لأعرف من أين أتى هذا اللبس التاريخي، لأني بالفعل قرأت في بعض الكتب خلافًا حول هذا الأمر، لكن معلومتي كانت موثقة من عدة مصادر، بل ومن مصادر إنجليزية كتبت عن تاريخ الشيخ زايد وأهمها كتاب فراوكه هيرد-باي: “من الإمارات المتصالحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة”. وأعرف أن معلومة بن ركاض متداولة عبر الانترنت وفي أوساط بعض المجالس بوصفهم بيت المشيخة الحالي في الإمارات، وهذا غير صحيح.
أصلُ الأمر خلافٌ قديمٌ، تحول إلى مغالطةٍ تاريخية وقع فيها حتى بعض المتخصصين أيضًا، منهم الأستاذ الفاضل محمد سيف بن نعيف العامري الذي أرشدني صديقي إليه: “بن نعيف العامري: سيرة وتاريخ وديوان. وفي هذه المقالة سنتعرض بالنقد والتحليل لهذا الكتاب، حيث أنه فيما يبدو، وعلى غير المتوقع، ليس أساس انتشار بعض المغالطات التاريخية، بل أساس توثيقها وهو الأخطر، فتوثيق مغالطة تاريخية في كتاب يعطيها شرعيةً ما، ويُكسبها صفة المعلومة الجادة، بينما للباحث المتأمل والجاد تظل معلومة مغلوطة، وياما في كتبنا من هذا كثير سأتعرض له بإذن الله كل في وقته، لكن لكل مقام مقال، ومقالنا في هذا المقام هو شيخ قبيلة العوامر في الإمارات، الشيخ مسلم بن حم العامري حفظه الله.
بن نعيف العامري: سيرة وتاريخ وديوان
تحديث بتاريخ: 4 ديسمبر 2024
أرسل لي صديق فاضل منشورًا مفاده أن هذا الكتاب تم منعه في الإمارات العربية المتحدة، ومحظور تداوله، لما يحتويه من مغالطاتٍ تاريخية قد تسبب حساسياتٍ لا داعي لها، وأرفق لي نسخة من قرار المنع:
يصف بن نعيف كتابه فيقول:
يتألّف الكتاب من أربعة أجزاء، يشتمل الأول على لمحة تاريخية حول الإمارات وجوارها، تناولت قيام الدولة الاتحادية، بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيَّب الله ثراه، وتطرَّقت إلى شيوخ آل نهيان، الذين تعاقبوا على الحكم في أبوظبي، وذلك نظراً للارتباط الوثيق للشخصيات “العامرية” التي يدور حولها الجزء الأول، بالعديد من هؤلاء الحكام – رحمهم الله. إضافة، يشتمل الجزء الأول على ثلاثة فصول، يتطرَّق الأول والثاني، بإيجاز، إلى قبائل عامر في دولة الإمارات و”الشيوخ “الركاكضة”، فيما يتحدَّث الفصل الثالث عن قبيلة “آل خميس العوامر”، ومنها خاصة عشيرة ” العواصي”، (فخذ من اليعير) ويستفيض في تعداد مشاهيرهم، الذين لعبوا أدواراً قيادية هامّة في القبيلة ومع القبائل الأخرى المجاورة، وكانوا جميعاً موالين لحكام أبوظبي، لاسيما منذ أواسط القرن قبل الماضي (التاسع عشر).
ويشتمل الجزء الثاني من الكتاب على مجموعة من “التزكيات” التي تناولت مضمون الكتاب، ولا سيما السّيَر الموجزة للمشاهير الذين تطرَّق إليهم المؤلف، وللأحداث التي ذكرها. وقد دوَّنها شهود عاصروا هؤلاء المشاهير، أو تنامى إلى مسامعهم حولهم، الكثير من الأخبار والروايات على ألسنة كبار السّن من ذويهم والقريبين منهم.
في حين يشتمل الجزء الثالث على باقة غنيَّة من القصائد التي نظَمها الشاعر محمد بن نعيف العامري، وتوزَّعت بين الوطنية والمدح والفخر والغزل والخواطر. ولعلّ أهمّها ما أهداه من قصائد إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيَّب الله ثراه، وإلى غيره من الشيوخ الأكارم – أطال الله بأعمارهم جميعاً.
أما القصائد الغزلية، فقد أخذت حيِّزاً واسعاً من المساحة الشعرية التي ضمَّها الجزء الثاني، ولعلَّها الأكثر عدداً في الكتاب. إلى ذلك، ضمَّن الشاعر بن نعيف باقته الشعرية بعضاً من “المُشاكاة”، إضافة إلى قصائد الفخر.
وقد حمل الجزء الرابع ملحقاً شاملاً من شهادات التقدير والتكريم والأخبار الصحفية والصور التذكارية الخاصة بالمؤلف، إلى جانب صور أبناء عشيرته مع أصحاب السمو الشيوخ ولفيف من الأهل وكبار الشخصيات.
كبداية، صنَّفَ بن نعيف في كتابه قبيلة العوامر في الإمارات إلى قبيلتين، العوامر وآل خميس، وهو أمر عجيب، لأن آل خميس فخذ من بطن لز، فكما يعلم الجميع في علم الأنساب، أن القبائل تنقسم إلى بطون، والبطون تتفرع إلى أفخاذ، وكل فخذ يضم بيوتًا، فيقال هذا فلان، من بيت آل فلان، من فخذ كذا، من بطن كذا، من قبيلة كذا، فعلى أي أساس استند المؤلف في تصنيفه لبطن من بطون قبيلة، على أنها قبيلة منفردة؟
كذلك استند بن نعيف في ادعائه على مصادر لا تؤكدُ هذا الادعاء، فقال في صفحة رقم 29 أنه أخذ معلومة “آل خميس” كقبيلة مستقلة، عن كتاب: “زايد والمسيرة”، لكن بعد مراجعة الكتاب المصدر، نجد أنه قسَّمَ العوامر لفخذين كبيرين: فخذ بدر، وفخذ لز، وأهم بطون فخذ لز هم آل خميس كما ورد في الصفحتين 27 و28.
وشاهده أيضًا، ما جاء في كتاب: “قبائل دولة الإمارات العربية المتحدة” لمؤلفه محمد سليمان الطيب، في صفحة 368، أنه قال: وأهم بطون عشيرة لز: آل خميس..”
ومعلومة كهذا نستطيع القول أنها مما تعرف بالبديهة، وبالمعرفة العامة الشائعة، ولا تحتاج إلى توثيق أو رد أو جدال، حتى أن قبيلة العوامر مذكورة كقبيلة كبيرة في أشعار الشيخ زايد رحمه الله، بينما لا يشير أحد لتقسيمها إلى قبيلتين، لكن المغالطة عندما توثق في كتاب، حينها تتحول إلى مصدر للجدل والأخذ والرد.
ثم نأتي لموضوع نقاشي مع صديقي العامري، شيخ قبيلة العوامر، في كتابه قرر بن نعيف أن شيوخ العوامر هم الركاكضة، وأن الحالي هو محمد بن حمد بن سالم بن ركاض، لكنه تغافل عن ذكر الشيخ سالم بن حم العامري، الذي يؤكد التاريخ الواقعي وعدد كبير من المصادر أنه حمل لقب شيخ قبيلة العوامر منذ عام 1947 بمساعدة الشيخ زايد رحمه الله.
وهذه نبذة سريعة أعود إلى تفصيلها لاحقًا، بأهم المصادر التي ذكرت الشيخ سالم بن حم رحمه الله بوصفه شيخ قبيلة العوامر في الإمارات، حيث تم ذكر ذلك أكثر من مرة وبجلاء عن جي .بي . كيلي في كتابه ” الحدود الشرقية لشبه الجزيرة العربية ” وذلك في الصفحات ( 277 ، 336 ، 350 ) وكذلك ذكرته الباحثــة فراوكة هيرد – باي Frauke Heard-Bey في كتابها من الإمارات المتصالحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في الصفحات ( 40-41 ). وفراوكة تعتبر من نخبة الخبراء في قبائل أبوظبي وتاريخ الإمارة قبل تأسيس الاتحاد، ولا تزال بيننا حتى اليوم بارك الله في عمرها، وساهمت في تأسيس مركز الوثائق والبحوث التابع لوزارة شؤون الرئاسة. كما ذكر اللقب صراحة بكماستر Martin Beckmaster 1921-2007 في وثيقـــة أعدها بعد رحلتــه عام 1952م التي استغرقت أكثر من شهرين قضاها مرافقاً للشيخ زايد ” طيب الله ثراه ” ونشرت الوثيقــة في العدد الثالث عشر لشهر يناير 2005 من مجلة ليوا التي يصدرهــا مركز الوثائق والبحوث التابع لوزارة شؤون الرئاسة وذلك في الصفحــة (55) من المجلة ، وكذلك وردت المشيخة لبن حم في كتاب (قاضي الظفرة مصبح الكندي بن علي بوملحا المرر) صفحة (100) لمؤلفه علي بن احمد الكندي. هذه بعض الحقائق الوثائقية ولسنا بصدد ذكر تفاصيل أخرى وهي كثيرة.
ومن العجيب أن المغالطات تأنس لبعضها البعض، فقد اعتمد بن نعيف في كتابه على مصدر آخر نقل عنه عدة أخبار ومنها خبر شيخ قبيلة العوامر، هو كتاب أطيب الثمرات في التعريف بقبائل الإمارات، لمؤلفه حماد الخاطري، وهذا الكتاب تحديدًا لنا وقفة بعد قليل مع بعض مغالطاته، لكن للأسف اعتمد بن نعيف عليه كمصدر لمعلوماته عن إمارة الجبور ومشيخة قبيلة العوامر، كما ورد في الصفحات 29 و 40.
طيب كيف تؤسس المغالطات لبعضها وتستشهد ببعضها؟
هذا حديث آخر، لبحث آخر
وفقكم الله جميعا لما فيه الخير