فيلم جولدا Golda: قراءة نقدية في ضوء حرب أكتوبر
يُعَدُّ فيلم “جولدا Golda” من الأعمال السينمائية الحديثة التي تتناول حرب أكتوبر (أو حرب يوم الغفران كما تُسمى في إسرائيل) من زاوية مغايرة، حيث يُركز على دور رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير في إدارة الحرب وتداعياتها على المستوى السياسي والعسكري. يتناول الفيلم تجارب شخصيات بارزة وصراعاتهم النفسية أثناء إدارة الحرب.
من أبرز ما يُميز الفيلم هو السيناريو المتقن الذي يستعرض أحداث الحرب يومًا بيوم، من بدايتها وحتى اليوم العشرين. هذا التفصيل الدقيق يُمكِّن المشاهد من فهم تعقيدات الصراع والتحديات التي واجهتها القيادة الإسرائيلية خلال تلك الفترة الحرجة.
يُقدِّم الفيلم نظرة متوازنة إلى حد ما، حيث يُسلط الضوء على المفاجأة التي تعرَّض لها الجيش الإسرائيلي جراء الهجوم المنسق من القوات المصرية والسورية. يُظهر الفيلم شعور القادة الإسرائيليين بالهزيمة والانكسار، ويتجلى ذلك في مشاهد موشيه ديان وهو في حالة من الرعب والاضطراب بعد مشاهدة التطورات على جبهة الجولان، حيث تحوَّلت المعارك إلى ما يُشبه الجحيم للجنود الإسرائيليين.
كما يستعرض الفيلم الاستراتيجيات العسكرية التي اعتمدتها القوات المصرية، وكيف تمكَّنت من نصب فخاخ للجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوفه. يصل الأمر بجولدا مائير إلى أن تطلب من مساعدتها التأكد من عدم وقوعها أسيرة إذا ما وصل العرب إلى تل أبيب، في دلالة واضحة على مدى القلق والخوف الذي ساد الأوساط الإسرائيلية آنذاك.
العلاقة بين جولدا مائير ووزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر تُشكِّل محورًا مهمًا في الفيلم. يُبرز العمل التوترات الدبلوماسية والتحديات التي واجهتها إسرائيل في الحصول على الدعم الأمريكي، خاصة مع الضغوط التي مارستها منظمة الأوبك بفرض حظر نفطي أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود بشكل كبير. الحوار بين جولدا وكيسنجر يُظهر التعقيدات في الولاءات السياسية والشخصية، حيث يُشير كيسنجر إلى أولوياته كأمريكي أولًا، بينما تُذكِّره جولدا بأن القراءة في إسرائيل تبدأ من اليمين إلى اليسار، في إشارة إلى توقعها لدعمه كيهودي بالدرجة الأولى.
على الرغم من ميل الفيلم في بعض الأحيان إلى وجهة النظر الغربية، إلا أنه يُقدِّم اعترافًا ضمنيًا بالأثر الكبير الذي تركته حرب أكتوبر على إسرائيل. يُظهر الفيلم كيف أن المفاجأة الاستراتيجية أفقدت الجيش الإسرائيلي توازنه، وتأثير ذلك على السياسة الإسرائيلية في السنوات اللاحقة.
من الناحية الفنية، يتميَّز الفيلم بإخراج متقن وأداء قوي من فريق التمثيل، مما يُضفي مصداقية وعمقًا على الأحداث المُصوَّرة. الموسيقى التصويرية والسينماتوغرافيا تُساهمان في تعزيز الأجواء الدرامية والتوتُّر الذي يكتنف الحرب.
في المجمل، يُعد فيلم “جولدا” عملًا سينمائيًا يستحق المشاهدة، فهو لا يُقدِّم فقط سردًا تاريخيًا لأحداث حرب أكتوبر من منظور مختلف، بل يُثير أيضًا تساؤلات حول القيادة والسياسة والحرب. إنه إضافة قيمة إلى الأعمال السينمائية التي تناولت تلك الفترة المحورية في تاريخ الشرق الأوسط.