هل كل الناس كاذبون كما يقول ألبرتو مانغويل؟
ستيفن بول معجب بأحجية ألبرتو مانغويل المضحكة والحزينة في الرواية. أهو كذلك؟
ترجمة: نورة العمرو
ألبرتو مانغويل كذاب. أو هكذا دعى قارئ هذا الكتاب إلى التفكير، بعد أن يتمتع بقصة مراوغة وتشويق غريب رويَت من قبل شخصية عصبية وغير موثوقة تسمى ألبرتو مانغويل، فقط لرؤية الراوي التالي يهتف، في بداية نسختها لنفس الرواية: “ألبرتو مانغويل أحمق [. . . ] لا، لا شيء صحيح لـ(مانغويل) مالم يقرؤه في كتاب”.
إذا كان بول أوستر (رجل آخر، في أحد معاني عنوان مانغويل، كاذب آخر) يضع لحيه لطيفة ولديه أكثر من مزاج حساس للغاية، قد ينتج شيئًا مثل هذا اللغز الغامض والكئيب والمضحك في رواية. تركز الرواية على مجموعة من المغتربين الأدبيين الأرجنتينيين في مدريد في السبعينيات، توفي أحدهم مؤخراً يدعى أليخاندرو بيفيلاكوا، على ما يبدو ساقطاً من شرفته عشية نشر تحفة روائية. ألبرتو مانغويل وثلاث شخصيات أخرى ممن عرفوا بيفيلاكوا يحكون ذكرياتهم عنه إلى شخص خامس، صحفي يدعى تيراديلوس يعيش في فرنسا ويسعى لجمع حقائق حول حياة الكاتب المتوفى.
الروايات متناقضة في التفاصيل، لكن الصورة العريضة التي تظهر هي صورة لرجل نحيف وكئيب (يشبه إلى حد ما بودليريان في مظهره) الذي نشأ في الأرجنتين (يقع في حب ابنة صانع الدمى)، يبدأ في كتابة (سيناريوهات مثيرة للصور الرومانسية)، يتم سجنه وتعذيبه (بينما لا يعرف السبب لكن سنعرفه في النهاية)، ثم يهرب إلى إسبانيا (حيث لا يقاوم بعض النساء). واحدة من هؤلاء النساء هي الراوية التي أدانت ألبرتو مانغويل، عشيقة بيفيلاكوا أندريا، التي تجد المخطوطة مخبأة بين أمتعته وتأخذها سراً للنشر. عنوانها هو: في مديح الكذب. تعلق أندريا قائلة: “الكذب هو الموضوع الرئيسي لأدب أمريكا الجنوبية”.
ربما كل الرجال كاذبون، لكن هي ليست كذلك، وحسابها هو الوحيد الذي يمكن الوثوق به، من المؤكد أن الوضع الوجودي لواحدة على الأقل من الروايات الأخرى مشكوك فيه (كابوس بلا شك)، بينما يبدأ الحساب الذي يكون مصدره مؤكدًا بإخلاء كوميدي حول هذا الموضوع بالذات “أنا لا أثق في الرسائل كنوع أدبي”.
إل شانشو (الخنزير) هو من يكتب الرسائل الغير موثوقة، رجل سمين وقبيح ولكنه بليغ بشكل رائع للمسؤولين الفاسدين، والذي تم سجنه جنبًا إلى جنب مع بيفيلاكوا والذي تبين أنه شيء من سيرانو (أو عطيل بدون الوحش ذي العينين الخضراء: يتذكر بفخر ‘لقد أغويت ديسديمونا بصوتي’)، إن لم يكن البطل الفعلي للرواية. كما أن قصة إل شانشو تسخر ضمنيًا من الآخرين. في مرحلة ما قال: “هنا يمكنني أن أعطيك واحدة من تلك الوقفات المشوقة المحببة جدًا لأفلام التجسس، لكنها ستكون أدبًا سيئًا عن عمد.” مثل هذه الوقفات، التي تليها تغييرات مفاجئة في الموضوع، هي مجرد نوع من الأشياء التي أثار بها ألبرتو مانغويل اهتمام القارئ عند افتتاح الرواية.
إن المرور عبر هذه الذكريات العنيدة دائم ومستمر، استحضار سريع للرؤى الماضية لشوارع ضيقة ومهجورة، وألواح من الزجاج الملون على الأبواب، وتغيير الضوء على تماثيل الحديقة، ورجال متجمدين في مواضع معينة في المقاهي. كانت هذه هي قوة بيفيلاكوا كرائد، كما يتذكر ألبرتو مانغويل، حيث لم يعد يعرف ما إذا كانت هذه الذكريات ملك له أم لرجل آخر.
ألبرتو مانغويل، مؤلف الرائعة تاريخ القراءة، كتب رواية تتعلق جزئيًا بالقراءة وكيف يمكن أن تكون ذكريات الأحداث في الأدب حية مثل ذكريات الحياة الواقعية؛ وكذلك عن الكتابة، وفعل واحد للكتابة على وجه الخصوص، نتعلم منه قرب نهاية الغموض، هذه خيانة مخيفة. قد نشك في أن المؤلف يوافق على ما قاله ألبرتو مانغويل والذي أصر عليه بيفيلاكوا، ‘التمييز بين الباطل الحقيقي والحقيقة الزائفة’. حسنًا، كل الرجال كذابون هي رواية حقيقية بكل ما تحويه من الثلاثين مليون كلمة.