عام

كيف تشكل مواقع التواصل الإجتماعي هويتنا- نوسيكا رينر

في هذه الايام من الشائع أن نجد صورة لا نعلم  بوجودها  ، ولا مرغوب فيها من مخزون الماضي . نحن نقضى الساعات الطوال في خوض غمار تيارً متدفق من الصور و العديد من الملفات بطرق غير متوقعة في حياتنا اليومية . في عام 2004 تم إنشاء موقع Facebook  . و تكتب كاتى ايكهورن في كتابها (( نهاية النسيان  : النضج مع مواقع التواصل الاجتماعي The End of Forgetting: Growing Up with Social Media )) أنه في عام 2015 شارك الناس نحو 30 مليون صورة على موقع Snapchat في ساعة واحدة ، و قام والدان بريطانيان (( بنشر ما يقارب من مائتي صورة لطفلهما على الانترنت كل عام )) . بالنسبة لأولئك الذين نضجوا مع مواقع التواصل الاجتماعي –  و هي المجموعة التي تشمل تقريبا كل من بلغ الخامسة و العشرين من العمر – فإن مرحلة الطفولة تعد مرحلة شديدة الغموض بالنسبة لأغلبنا ، و يمكن الوصول إليها بشكل مفاجئ . بالنسبة إلى ايكهورون المؤرخة الإعلامية في المدرسة الجديدة فإنه من المؤكد أن لهذا الأمر نوع من التأثير العميق على تطوير الهوية .  فما هو ذلك التأثير الذي لن نكون متأكدين منه بشكل تام . ترى إيكهورون جانبي الموضوع . فمن ناحية تقول أن الأطفال و المراهقين حصلوا على مستوى من التحكم لم يبلغوه من قبل . في الماضي كان البالغون يرفضون الاعتراف بمفهوم وكالة الاطفال children’s agency و الذى يعنى قدرة الأطفال على التصرف بشكل مستقل و اتخاذ قرارات نابعة من إرادتهم الحرة ، أو أن  يفرضوا عليهم مفهوما مثاليا للبراءة و النقاء . حيث أن البالغين هم أولئك الذين كانوا يؤلفون الكتب ، و يلتقطون الصور بأجهزة تصوير باهظة الثمن و يقتنون لوحات رسمت بالتكليف ، و كل ما من شأنه أن يخلد مرحلة الطفولة ( لنستعيد النظر إليها ) بدلا من المشاركة فيها . و قد سمح ظهور الصور الفورية رخيصة الثمن للأطفال بالحصول على وسائل الإنتاج ، و منحهم ظهور الانترنت درجة غير متوقعة من حرية الإرادة . تكتب ايكهورن أنه (( إذا كانت مرحلة الطفولة قد تم بناؤها و تسجيلها يوما من قبل البالغين  و قاموا بتمريرها الأطفال ( في البوم صور عائلي معد بعناية أو سلسلة من شرائط الفيديو المنزلية ) فإن هذا الأمر لم يعد قضية،)) .

و تكتب كذلك (( اليوم فإن اليافعين يلتقطوا صوراً ، و وينشروها دون تدخل من البالغين )) . 

هذه الممارسة يمكن أن تكون مفيدة بشكل كبير . حيث تسمح التكنولوجيا الجديدة لنا  – خصوصا الهواتف الذكية – بإنتاج سردية لحياتنا ، و باختيار ما نتذكره ، و ما نساهم به في بناء مجدنا الخاص . . و قد كان هذا النموذج هو السائد لفترة طويلة حتى لو كان مجهولا و تم الاعتياد عليه . و ذلك (( قبل أن يصبح الأطفال قادرين على خلق و إعداد و تنظيم صور حياتهم )) . و تكتب كذلك (( إنهم كانوا يفعلون ذلك أيضا على المستوى الجسدي )) . و قد أطلق فرويد على هذه الصور لقب ((الذاكرة – الشاشة او الذاكرة المتخلية  او الذكريات الحاجبة screen memories )) – ليس بقصد  التورية – و كان يعتقد أننا نستخدم هذه الصور للتخفيف من وطأة التجارب المؤلمة أو التعتيم عليها .  و يحاول البشر دائما التعامل مع تعقيدات الذاكرة لتحويلها من (( رعب لا يطاق إلى شئ غير ضار بشكل مطمئن و مألوف )) . وحدها مواقع التواصل الاجتماعي تجعلنا أكثر مهارة في ذلك . 

على الجانب الأخر تكتب ايكهورون أن مثل هذه المنصات بوسعها أن تمنع أولئك الذين يريدون أن يحدثوا قطيعة مع ماضيهم من فعل ذلك بمنتهى السهولة . نحن لسنا فقط الذين نقوم بالنشر،  فأصدقاؤنا و عائلتنا يؤرخون لحياتنا عادة  دون موافقتنا . تشعر ايكهورون بالقلق من أن النضج عبر الانترنت ربما يعيق قدرتنا على تشكيل الذاكرة ، و اختيار ما نحتاج إلى اختياره ، و المضي قدما . و تكتب كذلك (( إن الخطر المحتمل لم يعد اختفاء الطفولة و لكن بالأحرى إمكانية استمرار الطفولة )) . و ربما باختصار نقايض (( الذاكرة- الشاشة  بالشاشات )) . هذا الأمر له أهمية خاصة لأولئك الذين يميلون إلى تأسيس هويات جديدة . الناس الذين في طور الانتقال على سبيل المثال يعتمدون أحيانا على القطيعة النهائية بصريا مع مظاهرهم السابقة . كما تشير ايكهورون فإن واحدة من الوعود المبكرة التي قدمتها الانترنت حينما كانت مجرد (( نصوص و صور )) (( أن تقدم نفسها باعتبارها مكانا آمنا لكي يجربوا جانبا من هوياتهم التي لم يكونوا يستطيعون اكتشافها في حياتها المادية )) . الآن أصبح الانترنت أكثر استدامة و أكثر انتشارا و صار من الصعب تجنب أثار الهويات السابقة . و تستشهد ايكهورون بحالة لأحد طلابها كيفين و هو ناقد سينمائي طموح من مدينة صغيرة شمالي نيويورك . ففي عامه الثاني في الكلية يقول كيفين  أن البث الحي على صفحته علىFacebook   (( أصبح غريبا حقا )) . كان لدى أصدقاء من نيويورك هؤلاء الرجال من زملاء مدرستي الثانوية يقومون بنشر منشورات عن قيادة الدراجات النارية في حفرة مليئة بالحصى ،  و يقومون  بالإشارة لي ( Tagging  ) في صور من المدرسة الثانوية . و واضطررت إلى أن أمضى قدما . و بالرغم من أنه قام بتعطيل حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ، و قام بانشاء حسابات جديدة باسماء مستعارة ،  الا أنه لا تزال تتم الاشارة اليه في الصور القديمة . 

يعد وجود صور معينة بشكل ثابت أكثر من مجرد مشكلة بالنسبة للبعض من اى شخص أخر . و هناك لحظات تزداد فيها حد المشكلة ليس بسبب أن تلك الصورة قد تم التقاطها ، و لكن بسبب استحالة محوها ، و هنا يصبح الأمر صادما . هذه المواقف مثل صورة عارية أو تغريدات عدوانية تدمر حياة الشخص العامة ،  و هو أمر مؤسف ، و يحظى بانتشار على نطاق واسع  ( على سبيل المثال كما ورد في كتاب جون رونسون ((  إذن لقد تم التشهير العلني بك So You’ve Been Publicly Shamed )) ) . تشرح ايكهورون حالة جايسلاين رازا المراهق الكندي الذي قام في عام 2002 بتصوير نفسه و هو يرفع مضرب كرة الجولف كما لو كان سيفا ضوئيا كالذي كان في فيلم ( حرب النجوم ) . و قد عثر على الفيديو من قبل زميل دراسة و حمل عنوان ( طفل حرب النجوم ، و تم رفعه على الانترنت ، و شاهده ملايين الناس . و كما تشير ايكهورون فإن كل هذا حدث في الوقت الذي لم يكن فيه الانتشار على نطاق واسع كظاهرة شيئا يذكر . تعرض رازا للتنمر في المدرسة ، و انتهى به المطاف في مصحة للأمراض النفسية . و في عام 2013 كان لا يزال غير قادر على الفكاك من اسر هذا الفيديو، بالرغم من الإجراءات القانونية التي تم اتخاذها ، و قد تحدث علنا عن تجربته واصفا كيف انه فكر في الانتحار . تكتب ايكهورون أن كل شخص يستفيد من التجارب التي خاضها في مرحلة المراهقة . و خلال ذلك الوقت نقع فيما سماه المحلل النفسي اريك اريكسون ب(( التوقف النفسي )) ، و هي المرحلة التي نتأرجح فيها (( بين الفضائل الأخلاقية التي يتعلمها الأطفال و الأخلاق التي يقوم البالغون بالارتقاء بها )) . و التوقف هي مرحلة التجربة و الخطأ التي يتسامح فيها المجتمع مع المراهقين المسموح بأن يخاطروا دون خوف من العواقب ، على أمل أن فعل ذلك سوف يبلور (( شعورا شخصيا بما يعطى للحياة معنى )) . يقتحم الانترنت خصوصية هذه المرحلة العمرية و تميل إلى الوصول بالأخطاء إلى معدلات هائلة و وضعها على سجلاتنا الدائمة . اليوم فإن الجامعات و أصحاب الأعمال يقومون بتفحص حسابات مواقع 

التواصل الاجتماعي للاستدلال على الشخصية . تقضى ايكهورون وقتا اقل مما قد تقضيه لكي تدرس كيف يؤثر ذلك الأمر على مراهقي اليوم . كيف تبدو الحياة تحت  التهديد ؟ ما هي التداعيات التي سوف تحدث حينما تنعدم فرصة جيل كامل في التجريب بحرية ، أو في التعرف على أنفسهم . 

تشير ايكهورن بشكل مخفف إلى نوع من حقوق الإنسان العالمية و الذي يتعارض مع أغراض الشركات التي  تستخدم البيانات . (( النسيان و هي احد الخصائص التي جبل عليها البشر تتعارض حاليا مع مصالح شركات التكنولوجيا )) . و تشير بشكل ضمني و بمثالية محببة إلى انه لدينا الحق في النسيان . ( بالنسبة للبعض هذا الاعتقاد يعكس بوضوح المقاربة الأمريكية لبقية أرجاء العالم ). و تستشهد بما يسمى ب( الحق في النسيان ) و هو اللقب الذي يطلق على كلا من قوانين خصوصية المعلومات في أوروبا و التحركات ضد ذكر أسماء الأطفال القصر في وسائل الإعلام . و بطريقة أخرى يعد التضمين و الذي يعنى قدرة الشخص على الفكاك من اسر ماضيه – للتحرك قدما كإنسان بجسد جديد أو شخصية جديدة – مثالا ديمقراطيا . نحن لدينا الحق في أن نبقى كما نحن . في بعض الحالات يكون الاحتفاظ بشعورنا بذواتنا خلال التباينات أكثر أهمية من أن يكون لدينا مرحلة تمرد . لنأخذ على سبيل المثال حالة المهاجرين حيث تتناول ايكهورون المسالة بإيجاز  قائلة ((  إن  أعضاء العائلة الذين تركوا بلادهم وراؤهم يستطيعون الآن أن يبقوا على اتصال دائم مع أبناءهم و بناتهم و حتى أن يتتبعوا خطوات أقدامهم عبر أوروبا )) . هنا تصبح الذاكرة تقريبا نوعا من التمثيل السياسي يتم التمكين له بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي . حيث تكون المجموعات قادرة على حفظ تاريخها أثناء سفرها عبر القارات . 

هل كل الصور تصلح لأن تكون وثائقية ؟ في كتاب (( الصورة الاجتماعية The Social Photo  )) يطرح ناثان جورجنسون افتراضا منطقيا مفاده أن اغلب الصور التي تنشر إنما هي بقصد مشاركة التجارب و ليس خلق ذاكرة . هناك أنماط من الاتصال تصبح فيها الرموز التعبيرية المصورة ( الايموجى ) أكثر تعبيرا من الصور . هذه الأنماط لديها سياق محدود و لا يمكن تحديدها بشكل واضح في اى مكان و عادة ما تأتى مجتمعة . في معظم الأحيان لن يكون المهم أن تكون تلك الأنماط موجودة خلال اثنتي عشرة سنة . و هذا ما يفسر انتشار الصور التي تظهر لفترة وجيزة ثم تختفي مثلما يحدث في Instgram stories  او Snapchat  . ( جورجنسون يعد أيضا أخصائيا اجتماعيا يعمل حساب شركة Snap Inc الشركة الأم لشركة Snapchat  ) . و هذا ما يفسر أيضا انتشار صور الطعام و التي تنفذ ببراعة بشكل نادر و تستحق الاحتفاظ بها . 

بالنسبة لجورجنسون فإن التقاط الصور الاجتماعية يغير الطريقة التي تعمل بها الرؤية و هي العمليات التي بدأت مع اختراع أجهزة التصوير و لا تزال تتطور تدريجيا إلى يومنا هذا . و أصبح المراهقون كائنات نصف آلية و أصبحت هواتفهم بمثابة عيون ميكانيكية تساعدهم على تفسير تجربتهم . (( للتوثيق )) كما يكتب جورجنسون (( بمعنى أن نتشارك تجربتنا بدلا من ان ندعها تطفو )) . بخصوص هذا الموضوع فإن جورجنسون لديه كل الحق . حتى لو كانت الآراء متوافقة إلى حد ما : و لكنه لا يعيش في (( تقشف رقمي ))  . لا ينبغي أن نعود إلى العصر الذي كنا فيه اقل اتصالا من التكنولوجيا خاصة بسبب أن هذا العصر لم يعد موجودا . و يكتب قائلا (( إن حقيقتنا قد تم فعلا توسيطها و تعزيزها و توثيقها )) . و (( لا يمكن الوصول إلى نوع من النقاء الخالص )) . لا ينبغي ان نسأل ماذا كانت الصورة الاجتماعية جيدة و لكن أن نسأل كيف تستطيع الصورة الاجتماعية أن تكون جيدة . 

بخلاف ايكهورون فإن جورجنسون لم يشعر بالقلق من أن الانترنت قد جعل من الصعب دفن ماضينا . و إذا حدث اى شئ فإنه يتخوف من ابتذال الموت . و يكتب أن الموت (( يحنط )) موضوعاتهم و يضعهم في منطقة (( الحزن المستمر الذي يقتل ما يتم محاولة إنقاذه خوفا من فقدانه )) . بالنسبة له فإن خطر التوثيق الدائم هو العزلة : و هو الإحساس بأن أجسادنا تنتج لحظات مستمرة بدلا من الحركة الدائمة . و يكتب كذلك (( بما أن المزيد من جوانب الحياة قد تم تجريبها عبر شاشات الكاميرا فهل يمكن أن تحدث لها إزالة مماثلة حيث تتحول فوضى التجربة المعاشة إلى شئ يمكن إدراكه ببساطة )) . 

سوف يكون أمرا رائعا بالفعل أن نكون قادرين على رؤية اللحظات المؤلمة القادمة من الماضي – و التي نتأمل فيها على مدار سنوات – كلحظات ميتة و محنطة . تكمن المشكلة في أن الذاكرة المعقدة لا يمكن صياغتها من خلال الصور و مقاطع الفيديو و التغريدات . فالشاشة مثل ذاكرة الشاشة تعد شاشة اجتنابية تبتعد عن  الشئ المؤلم . هناك القليل من الأطفال الباكين على موقع Instgram   . حدثتنى مؤخرا إحدى الصديقات قامت والدتها برقمنة كل شرائط الفيديو المنزلية الخاصة بعائلتها عن عيد ميلاد كبير أقيم في حلبة تزلج . ما الذي ذكرها بتلك الدراما : في ذلك الوقت كانت مهووسة بعربات التزلج حينما اتضح لها أن الحلبة لديها لوح تزلج واحد فذهبت والدتها إلى محل بيع الأدوات الرياضية لكي تشترى زوجا من أحذية المشي و قد انقد مشروب الشعير اليوم . لا شئ من هذه الأمور قد ظهر في الفيديو . كل ما أظهره الفيديو كان لحظة انتصار تعويضية بعد دموع و حلقة سعيدة حول الحلبة . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى