ما تقوم بعمله، هو ما أنت عليه – توني موريسون
كل ما كان عليّ فعله هو تنظيف منزلها لبضع ساعات بعد الدوام المدرسي وذلك مقابل دولارين، كان منزلاً جميلاً كراسيه وأرائكه مغطاة بالبلاستيك، وسجاد باللون الأزرق والأبيض وموقد مطلي بالمينا الأبيض، وغسالة ومجفف
جميع الأشياء التي كانت تبدو شائعة و رائجة في الحي السكني الذي تقطن به، كانت غائبة عن حيّنا السكني، ففي منتصف الحرب كان لديها زبدة وسكر وشرائح لحم وجوارب مصفوفة.
كنت أعرف جيداً كيف أقوم بفرك الأرضيات بركبتي، وغسل الملابس في حوض من الزنك، لكن لم يسبق لي قط رؤية مكنسة “هوفر” الكهربائية أو مكواة لم يتم تسخينها مسبقاً بالنار.
كانت من الأشياء التي تشعرني بالاعتزاز أثناء عملي لديها، هو إمكانية كسبي للمال الذي يُمكنني إنفاقه في الأفلام والحلوى وكرة المضرب والآيس كريم، لكن جزء كبير من إعتزازي بذاتي كان حين أعطي أمي نصف أجرتي، وهذا يعني أن أجرتي تم إنفاقها على أشياء ضرورية، كدفع بوليصة التأمين أو مستحقات بائع الحليب أو المثلجات. كان من دواعي سروري أن أكون فرداً ضرورياً بالنسبة إلى والداي، ولم أكن كالأطفال الأخرين في الحكايات الشعبية: مجرد أفواه جائعة، أو مصدر إزعاج مستمر، أو مثيرين للمشاكل لدرجة زجّهم في الغابة وحدهم. كنت في وضع لم يكن من المطلوب مني القيام بالأعمال المنزلية الروتينية، وكان ذلك يسعدني حقاً، وقد أكسبني ذلك احترام البالغين واعتباري بالغة مثلهم ولست طفلة.
في تلك الحقبة، الأربعينيات لم يكن الأطفال محبوبين أو مدللين وحسب، بل كانوا يشكلون ضرورة. كان بإمكانهم كسب المال، ورعاية من هم أصغر منهم والقيام بالمهام المتعددة وأكثر من ذلك بكثير، أعتقد أن الأطفال اليوم لا يجب عليهم القيام بكل ذلك، فهم محبوبون وتتم مساعدتهم وتلبية احتياجاتهم دوماً.
أصبحت أفضل في القيام بالتنظيف شيئاً فشيئاً، جيدة بما يكفي للقيام بأعمال أخرى، كحمل خزائن الكتب إلى الطابق العلوي أو نقل نقل البيانو من جانب إلى جانب أخر ، اذكر بعد دفعي للبيانو بدأت معي آلام في ذراعي وساقي وأردت أن أرفض أو على الأقل أن أتقدم بشكوى،، لكنني خفت من أن تطردني وسأفقد الحرية التي منحني إياها الدولار وكذلك المكانة التي حصلت عليها في المنزل
بدأت تقدم لي ملابسها مقابل ثمن وعلى الرغم من أنها كانت بالية، أُعجبت بها، كانت تبدو رائعة بالنسبة لفتاة صغيرة لا تملك سوى ثوبين لإرتدائه إلى المدرسة، حتى سألتني أمي ذات يوم إن كنت حقاً أريد العمل من أجل بضع ملابس رثّة فتعلمت أن أقول “لا،شكراً” لسترة باهتة مقابل أجر ربع أسبوع
وبالرغم من ذلك واجهت صعوبة بالغة في التحلي بالشجاعة ومحاولة الإعتراض أو النقاش حِيال الأعمال التي كانت تُسند إليّ وكنت أعلم بإني إذا أخبرت والدتي بعدم رضاي عن عملي فستخبرني بتركه فوراً. ثم وفي أحد الأيام كنت أجلس بمفردي مع والدي، بدأت بالتضجر والنحيب عن عملي، وشرعت بإعطائه بعض الأمثله عن مايزعجني ورغم أنه كان يستمع أليّ باهتمام إلا أنني لم أرى أي تعاطف في عينيه، كـ “ أوه!صغيرتي المسكينة” أعتقد بأنه أدرك تماما بأنني كنت أبحث عن حلول فيما يخص عملي، لا عن مهرب من ما كُنت فيه
على أي حال، وضع كوب القهوة من يده وقال: إسمعي.. أنتي لاتعيشين هناك، بل تعيشين هُنا، مع عائلتك. إذهبي للعمل واحصلي على المال ثم عودي إلى المنزل
- كان هذا ما قاله لي، بينما هذا كان ما سمعته
- مهما كان العمل – فقط قومي به وبشكل جيد ، ليس من أجل مديرك بل من أجل نفسك
- أنت من تقوم بالعمل، وليس العمل هو مايقوم بك
- حياتك الحقيقية معنا، مع عائلتك
- أنت لست العمل الذي تقوم عليه، أنت الشخص الذي أنت عليه
منذ ذلك الحين عملت لدى العديد أنواع مختلفة من الناس، عباقرة ومغفلون، سريعي البديهة وبليدون، من يملكون قلباً كبيراً أو أخر ضيق
لقد حظيت بالعديد من الوظائف، ولكن منذ محادثتي تلك مع والدي لم أعد أتخذ من العمل مقياس لذاتي، ولم يعد الأمان الوظيفي أكبر من قيمة المنزل