القبائل العربية

مغالطات تاريخية تؤدي إلى وقف كتاب بن نعيف العامري: سيرة وتاريخ وديوان

كنت أتحدث مع صديقٍ لي، وهو من قبيلة العوامر العريقة، فأتينا على ذكر شيخ قبيلة العوامر في الإمارات ورجالها وتاريخها، وسألني بحكم تخصصي عن كتاب بن نعيف سيرة وتاريخ وديوان، ولم أكن قد قرأته بعد، فأهداني نسخته الخاصة من هذا الكتاب الذي اشتهر بين بعض المهتمين بكونه كتابًا يحوي بعض المغالطات، مما أدى لمنع تداوله ونشره من قبل الجهات المعنية في الإمارات.

صورة رسمية من قرار المنع رسميا لكتاب بن نعيف العامري

وكان لدي بعض الاطلاع على تاريخ قبيلة العوامر في الإمارات، كوني عملت على بحث سابقًا حول تأسيس مدينة العين واستعانة الشيخ زايد رحمه الله بقبيلة العوامر، وكنت تعمقت كثيرًا عما كتبه الباحثون الإنجليز عن قبيلة العوامر ورجالها وأدوارها في المراحل المبكرة قبل الاتحاد وبعده، فقلت في نفسي: خير، لعلها فرصة للتبحر في موضوع أحبه كثيرًا وهو تاريخ القبائل المعاصرة، وأرى ما كتبه بعض من أبناء القبيلة، فقررت تصفح الكتاب لأقف على سبب المنع، وأرصد بعضًا من هذه المغالطات التي يتحدثون عنها في بعض المجالس.

وكملاحظة جانبية تعليقًا على حديثي مع صديقي العامري، لا عيب أن يكون الإنسان جاهلًا أو لا يعرف، لأن علاج ذلك التعلم والدرس. أما إن كان في الإنسان كبر وغرور وعصبية، فلا علاج لذلك سوى التجاهل والاجتناب، والكبر خطيئة الشيطان الأولى أعاذنا الله وإياكم منها، وحري بمن يجد في نفسه كبرًا وامتناعًا عن الاعتراف بالحق، أن يراجع نفسه، ويفكر مليًا في مآلات الأمور، فالحياة قصيرة، ولا شيء حقًا يستحق التعصب والكبر، فكلنا في النهاية أبناء آدم، ومن الأرض جئنا وإلى الأرض نعود، وما حديثنا في هذه الأمور مثل علم الأنساب والأصول القبلية إلا من باب اليقظة الفكرية، والمران الأدبي، وكون الأنساب علم لطيف شريف، وأن نعطي كل ذي حق حقه، أما التكبر والغرور، فنعوذ بالله من ذلك.

يصف المؤلف بن نعيف كتابه فيقول:

يتألّف الكتاب من أربعة أجزاء، يشتمل الأول على لمحة تاريخية حول الإمارات وجوارها، تناولت قيام الدولة الاتحادية، بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيَّب الله ثراه، وتطرَّقت إلى شيوخ آل نهيان، الذين تعاقبوا على الحكم في أبوظبي، وذلك نظراً للارتباط الوثيق للشخصيات “العامرية” التي يدور حولها الجزء الأول، بالعديد من هؤلاء الحكام – رحمهم الله. إضافة، يشتمل الجزء الأول على ثلاثة فصول، يتطرَّق الأول والثاني، بإيجاز، إلى قبائل عامر في دولة الإمارات و”الشيوخ “الركاكضة”، فيما يتحدَّث الفصل الثالث عن قبيلة “آل خميس العوامر”، ومنها خاصة عشيرة ” العواصي”،  (فخذ من اليعير) ويستفيض في تعداد مشاهيرهم، الذين لعبوا أدواراً قيادية هامّة في القبيلة ومع القبائل الأخرى المجاورة، وكانوا جميعاً موالين لحكام أبوظبي، لاسيما منذ أواسط القرن قبل الماضي (التاسع عشر). 

ويشتمل الجزء الثاني من الكتاب على مجموعة من “التزكيات” التي تناولت مضمون الكتاب، ولا سيما السّيَر الموجزة للمشاهير الذين تطرَّق إليهم المؤلف، وللأحداث التي ذكرها. وقد دوَّنها شهود عاصروا هؤلاء المشاهير، أو تنامى إلى مسامعهم حولهم، الكثير من الأخبار والروايات على ألسنة كبار السّن من ذويهم والقريبين منهم. 

في حين يشتمل الجزء الثالث على باقة غنيَّة من القصائد التي نظَمها الشاعر محمد بن نعيف العامري، وتوزَّعت بين الوطنية والمدح والفخر والغزل والخواطر. ولعلّ أهمّها ما أهداه من قصائد إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيَّب الله ثراه، وإلى غيره من الشيوخ الأكارم – أطال الله بأعمارهم جميعاً.

أما القصائد الغزلية، فقد أخذت حيِّزاً واسعاً من المساحة الشعرية التي ضمَّها الجزء الثاني، ولعلَّها الأكثر عدداً في الكتاب. إلى ذلك، ضمَّن الشاعر بن نعيف باقته الشعرية بعضاً من “المُشاكاة”، إضافة إلى قصائد الفخر.

وقد حمل الجزء الرابع ملحقاً شاملاً من شهادات التقدير والتكريم والأخبار الصحفية والصور التذكارية الخاصة بالمؤلف، إلى جانب صور أبناء عشيرته مع أصحاب السمو الشيوخ ولفيف من الأهل وكبار الشخصيات.

هذا تعريف شامل، ولكن دعونا نستعرض مشاكل هذا الكتاب ونقف على بعض الأمور التي تسببت في إيقافه ومنع تداوله ونشره.

كبداية، صنَّفَ بن نعيف في كتابه قبيلة العوامر في الإمارات إلى قبيلتين، العوامر وآل خميس، وهو أمر عجيب، لأن آل خميس فخذ من بطن لز، فكما يعلم الجميع في علم الأنساب، أن القبائل تنقسم إلى بطون، والبطون تتفرع إلى أفخاذ، وكل فخذ يضم بيوتًا، فيقال هذا فلان، من بيت آل فلان، من فخذ كذا، من بطن كذا، من قبيلة كذا، فعلى أي أساس استند المؤلف في تصنيفه لبطن من بطون قبيلة، على أنها قبيلة منفردة؟ افتقار الكتاب إلى توضيح بهذا الشأن يجعل الأمر غريبًا.

كذلك استند بن نعيف في قوله هذا على مصادر لا تؤكدُ هذا الادعاء، فقال في صفحة رقم 29 أنه أخذ معلومة “آل خميس” كقبيلة مستقلة، عن كتاب: “زايد والمسيرة”، لكن بعد مراجعة الكتاب المصدر، نجد أنه قسَّمَ العوامر لفخذين كبيرين: فخذ بدر، وفخذ لز، وأهم بطون فخذ لز هم آل خميس كما ورد في الصفحتين 27 و28.

إذن فحتى المصدر الذي استشهد به بن نعيف يخالف ما ذهب إليه، فانظر وتأمل.

وشاهده أيضًا، ما جاء في كتاب: “قبائل دولة الإمارات العربية المتحدة” لمؤلفه محمد سليمان الطيب، في صفحة 368، أنه قال: وأهم بطون عشيرة لز: آل خميس..”

ومعلومة كهذا نستطيع القول أنها مما تعرف بالبديهة، وبالمعرفة العامة الشائعة، ولا تحتاج إلى توثيق أو رد أو جدال، حتى أن قبيلة العوامر مذكورة كقبيلة كبيرة في أشعار الشيخ زايد رحمه الله، بينما لا يشير أحد لتقسيمها إلى قبيلتين، لكن المغالطة عندما توثق في كتاب، حينها تتحول إلى مصدر للجدل والأخذ والرد، فلا عجب أن ترى رجلا من آل خميس يقول أنه من قبيلة آل خميس وينتسب إليها بدلا من الانتساب للعوامر.

ثم نأتي لمسألة مهمة في نقاشي مع صديقي العامري، شيخ قبيلة العوامر، في كتابه قرر بن نعيف أن شيوخ العوامر هم الركاكضة، وأن الشيخ الحالي هو محمد بن حمد بن سالم بن ركاض، لكنه تغافل عن ذكر الشيخ سالم بن حم العامري، الذي يؤكد التاريخ الواقعي وعدد كبير من المصادر أنه حمل لقب شيخ قبيلة العوامر منذ عام 1947 بمساعدة الشيخ زايد رحمه الله الذي كان يلقي بن نعيف قصائدًا في مجلسه، فما هو سر التجاهل؟

وكمثال على المغالطة، هذه نبذة سريعة أعود إلى تفصيلها لاحقًا إن تيسر، بأهم المصادر التي ذكرت الشيخ سالم بن حم رحمه الله بوصفه شيخ قبيلة العوامر في الإمارات، حيث تم ذكر ذلك أكثر من مرة وبجلاء عن جي .بي . كيلي في كتابه ” الحدود الشرقية لشبه الجزيرة العربية ”  وذلك في الصفحات ( 277 ، 336 ، 350 ) وكذلك ذكرته الباحثــة فراوكة هيرد – باي Frauke Heard-Bey في كتابها من الإمارات المتصالحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في الصفحات ( 40-41 ). وفراوكة تعتبر من نخبة الخبراء في قبائل أبوظبي وتاريخ الإمارة قبل تأسيس الاتحاد، ولا تزال بيننا حتى اليوم بارك الله في عمرها، وساهمت في تأسيس مركز الوثائق والبحوث التابع لوزارة شؤون الرئاسة. كما ذكر اللقب صراحة بكماستر Martin Beckmaster 1921-2007 في وثيقـــة أعدها بعد رحلتــه عام 1952م التي استغرقت أكثر من شهرين قضاها مرافقاً للشيخ زايد ” طيب الله ثراه ” ونشرت الوثيقــة في العدد الثالث عشر لشهر يناير 2005 من مجلة ليوا التي يصدرهــا مركز الوثائق والبحوث التابع لوزارة شؤون الرئاسة وذلك في الصفحــة (55) من المجلة ، وكذلك وردت المشيخة لبن حم في كتاب (قاضي الظفرة مصبح الكندي بن علي بوملحا المرر) صفحة (100) لمؤلفه علي بن أحمد الكندي. هذه بعض الحقائق الوثائقية ولسنا بصدد ذكر تفاصيل أخرى وهي كثيرة. 

ومن العجيب أن المغالطات تأنس لبعضها البعض، فقد اعتمد بن نعيف في كتابه على مصادر أخرى غير موثوقة، مثلما حدث مثلا مع موضوع إمارة الجبور ومشيخة قبيلة العوامر، كما ورد في الصفحات 29 و 40. المعلومات التي ذكرت تحوي مغالطات، وتنقل عن مصادر بها مغالطات.

ولعل لنا وقفات أخرى قادمة مع مزيد من التفاصيل، لكنني فقط أحببت أن أستجيب للدعوة وأكتب غيضًا من فيض حول مسألة وقف الكتاب من الجهات الرسمية، والله المستعان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى