شعر

يا عذبةً لمرَّتينِ ثلاث قصائد لـ ديرِك والكُت

يا عذبةً لمرَّتينِ

ثلاث قصائد لـ ديرِك والكُت (١)

وميضُ النيون، كما النجماتِ البيضاءِ، كما المُدُنِ، 

تشتعلُ لتكونَ العاهرة التي عليها أن تكون.

ديرك والكت

ليلةٌ في حدائقِ ميناء إسبانيا 

الليلُ، الصيفُ الأسوَدُ، يختصرُ رائحتَها

في قريةٍ؛ يفشي بسرِّها للمارَّةِ

مسكُ الزنجيِّ ينتشرُ سرًّا كالعرَق، وتفوحُ 

رائحةُ المحارِ المهروسِ من أزقّتِها،

فحمُ البرتقال الذّهبيّ، نحاسُ البِطّيخِ.

دُفٌّ وتجارةٌ تزيدُ حرارتها.

الجحيمُ أو بيتُ الدعارةِ: العبورُ من شارع بارك،

حيث تختفي سَحْنةُ وجوهِ البحّارة. 

مع البريق الفوسفوري للبّحرِ؛ تُدندِنُ الملاهِي 

الليلية (٢) مثل يراعاتٍ في شَعْرِها الكثيفِ.

تُعْميها المصابيحُ، تُصِمُّ أذنَيْها الأبواقُ، ترفّع برأسِها 

وسط عوادمِ القارِ والزّيتِ في المصيفِ.

وميضُ النيون، كما النجماتِ البيضاءِ، كما المُدُنِ، 

تشتعلُ لتكونَ العاهرة التي عليها أن تكون.

مع اقتراب ضوءِ النهارِ يعودُ الحمّال بعربةِ

جوزِ الهندِ المٌقطّع إلى منزلِه.

** ** ** ** ** 

نجْمة

لو حصلَ، وتلاشيتِ من بينِ

 الأنوارِ، انسحبتِ وخبوتِ

إلى مسافتِنا المؤاتيةِ

المحتومةِ، مثلَ قمَرٍ تركَ

كلَّ اللّيلِ لأوراقِ الشَّجَرِ، هل تبعثين 

بهجةَ هذا المنزلِ دونَ أن يراكِ أحدٌ؛

يا نجمةً، يا عذبةً لمرَّتينِ، حينَ جئتِ

مبكرةً جدًّا لأجلِ الشّفقِ، وحينَ 

تأخرتِ في الفجرِ، فليرشِدْ لهبَكِ 

الشّاحبَ أسوأَ ما فينَا

وعبرَ فوضانا

بشغفِ يومٍ

عاديٍّ بسيطٍ

** ** ** ** ** 

أغنيةُ العُرس (٣): موسِمُ الأمطارِ

 إلى ستيفانوس وهيذر

يأتي معَ أوّلِ القطراتِ التي تُرقِّشُ الإسمنتَ السّاخنِ،

 الأشكالُ المدوّرةُ في البركةِ، مع المدى 

 المتسّعِ والمنعشِ، يأتي كمَطرٍ يخبِّئُ قصائدَ ريفيّة (٤)،

 مع قفزةِ الحمامةِ إلى الأعلى، مع مالكٍ الحزينِ

 يسرعُ في خطوتِهِ المتهوّرةِ؛ يرى شراعًا

 يختفي في الضّبابِ والشمسُ تمتنعُ وتنزوي

 ‏في رُكامةِ الغيْمِ، تلكَ السُّحبُ الضَّخمةُ

تنانيرُ الشّاشِ، شباكُ الصيدِ للمطرِ مثلُ فلاشاتِ الكاميرا

 لسجلّ البرقِ وهزيمِ الرَّعدِ

 لرماحِ الرّذاذِ عندما تشرعُ بالمسيرِ.

 ‏

ولكنْ لا شيءَ يمكنُ أن يساويَ الانهمارَ

في حضرةِ الآخرِ، حضرةُ الحبيبِ الخالدِ

 الذي سلطانُه المطرُ، وأجواؤُهُ الظُّلمةُ المعطّرةُ

 ‏للرّدهةِ، في المطبخِ، عند سكاكينِ البرقِ. لكنْ، آهٍ، 

 عندما تهزُّ العاصفةُ المتفجرةُ سقفَ السّماءِ

 ‏ويقتربُ جسدُها أكثرَ مثلَ مركبٍ يلتوي

 في داخلِك، مرفَؤُها، ممرُّها، كلُّها المذهلةُ،

 ‏أضلاعُها تمسحُ على أضلاعِك، آهٍ، في يومِ زفافِك

 ‏تتلاشى لافتاتُ القلقِ من الغيمِ وتمرُّ العاصفةُ بعيدًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) اختيار وترجمة شريف بُقنه، عن مختارات مترجمة للشاعر ديرِك والكُت تصدر عن دار روايات – الشارقة 2021. ديرِك والكُت (١٩٣٠-٢٠١٧) شاعر ومسرحي وكاتب من سانت لوسيا، حصل على جائزة نوبل للآداب (١٩٩٢) وعملَ أستاذاً للغة الإنجليزية قي جامعة بوسطن الأمريكية.

(٢) عن الفرنسية boîtes de nuit

(٣) (Epithalamium) أغنية أو قصيدة تحتفل بالزواج 

(٤) حرفيًّا قصائد الفلاحة والعمل في الأرض، جيورجيكون (Georgics) وهي أحد أصناف القصائد والملاحم الشعرية التي ألّفها الشاعر الروماني ڤرجيل (٧٠ ق.م. – ١٩ ق.م.)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى