لماذا تشرب الحيوانات البرية من المياه “الملوثة” ولا تمرض؟
مما لا شك فيه أننا جميعاً نسعى لتسهيل إمكانية العثور على مياه نظيفة صالحة للشرب، إنها واحدة من أكبر التحديات التي تواجه العالم المعاصر. هذا الكوكب هو موطن لأكثر من 7.5 مليار إنسان، ولكن لا تزال هناك أجزاء من العالم حيث وعاء من المياه النظيفة والصحية يعتبر من أثمن الممتلكات، إن وُجدَ. إنني أشدد على كلمة “نظيفة” لأن المياه المليئة بالجراثيم، أو غير الصالحة للشرب بطريقة أو بأخرى تضر أكثر مما تنفع، نظراً لاستحالة الحياة بدون مياه، واستمرار شرب المياه غير النظيفة يودي بحياة أي مخلوق.
من المعروف أن المياه غير النظيفة تضر بصحتنا. ولذلك، ينبغي للمرء دائما اتخاذ الاحتياطات المناسبة فيما يخص مياه الشرب، وخصوصا عند السفر إلى الخارج. حيث أن الأمراض التي تنقلها المياه هي من أشد الأمراض فتكا وتتسبب في وفاة الملايين في جميع أنحاء العالم سنوياً.
ومع ذلك، إليك سؤال مثير للاهتمام: إذا كان شُرب المياه غير النظيفة أمر سيء إلى هذا الحد، فكيف إذن تعيش الحيوانات البرية بالرغم من شرب المياه من البرك والبحيرات المليئة بالجراثيم، فهي مصدر المياه الرئيسي لها، والتي هي أبعد ما يكون عن “النظافة” ؟ لماذا لا تعاني الحيوانات البرية أمراضاً بالرغم من أنها لا تشرب سوى “المياه الملوثة” ؟
حسناً، هناك بعض الأسباب وراء ذلك، وسوف نلقي نظرة على بعض منها أدناه..
تطوير نوع من المناعة ضد هذه المياه “الملوثة”
عادة ما تكون الغابات غير زاخرة بالمسطحات المائية. أو بعبارات أخرى، لا يوجد سوى عدد قليل من البحيرات والبرك أو غيرها من المسطحات المائية الصغيرة التي تروي عطش الكثير من الحيوانات المقيمة في المناطق البرية القريبة. في الواقع، العديد من الحيوانات تأتي من المناطق البعيدة، تتحدى مخاطر الطريق، فقط للبحث عن مصدر مياه. ونتيجة لذلك، فإن هذه الحيوانات لا تملك خيار التخلي عن بحيرة ما والتوجه للشرب من بحيرة أخرى. انهم مضطرون للشرب من هذه البحيرة، ببساطة لأن حياتهم تعتمد عليها!
لأنهم يشربون المياه مراراً من نفس المصدر، أو يشربوا الماء المليء بالبكتيريا من مصادر أخرى، والتي لا تختلف كثيراً عن بعضها البعض، فإن أجسامهم تميل إلى تطوير نوع من المقاومة ضد هذه المياه “الملوثة”. وتُصبح أجهزة المناعة قادرة على تمييز تلك الأنواع من البكتيريا بسبب المواجهات المتكررة معها، وبذلك تصبح أكثر فعالية في التعامل معها.
ولذلك، إذا تعرضت البرك والبحيرات لبعض التغيرات المُفاجئة في العوامل المُسببة للأمراض، فإن ذلك بالتأكيد سوف يؤدي إلى وفاة عدد كبير من الحيوانات التي تشرب منها.
ليست كل مصادر المياه على مستوى خطير من التلوث
كثير من الناس يعتقدون أن مصادر المياه في البرية كلها ملوثة إلى حد كبير، ولكنها في الواقع، ليست بهذا السوء. بمعنى أنها قد تكون مُلوثة إلى حد ما ولكنها ليست مليئة بالجراثيم التي بدورها تسبب الأمراض لأي كائن يشرب منها، سواء كان إنسان أو حيوان.
وعلاوة على ذلك، فإن مُعظم الثدييات لديها حس دقيق يمكنها من الاستشعار بالخطر “إلى حد ما” عند وجود بكتريا نشطة في المياه. فإذا وجدوا مثل تلك المُسطحات المائية فإنهم أحياناً يعزفون عن الشرب منها والبحث عن مصدر آخر.
ليست كل الأمراض البكتيرية قاتلة
كما تبين، فإن العديد من الأمراض التي تسببها البكتيريا الموجودة في المسطحات المائية هي التهابات بكتيرية بسيطة. ومن هذا المنطلق، فإنها لا تُمثل إزعاجاً أو تهدبداً حقيقياً لحياة أي حيوان يشرب من هذه المسطحات المائية.
الدور الذي يلعبه التطور
الحيوانات التي تبقى على قيد الحياة بعد شرب المياه من البرك “الملوثة” سوف تتكاثر، وأثناء حدوث ذلك، تحديداً في مراحل تكوين الجنين، فإنها تُمرر الجينات “عالية التحمل ضد جراثيم المياه” إلى أطفالها، والتي يُصبح بعد ذلك تلقيح قوي ضد الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الماء.
قد يكون هذا شرحاً مُبسطاً لعملية التطور الأساسية، ولكن باختصار، ذلك يعني أنه إذا كانت هناك ندرة في مصادر المياه، فإن الحيوانات القادرة على شرب المياه من أقذر البرك دون حدوث عواقب كبيرة تتمتع بميزة كبيرة لا تمتلكها تلك التي تصاب بالأمراض وتموت.
هل هذا يعني أن الحيوانات التي تشرب المياه من البرك القذرة لا تموت!
بعد قراءة كل النقاط المذكورة أعلاه، قد تعتقد أن الحيوانات تقوم بعمل جيد أثناء عملية الهضم وتقبل حتى أقذر المياه. شرب المياه غير النظيفة بدون حدوث ضرر، ليس صفقة كبيرة في الواقع..
والحقيقة هي أن الحيوانات تمرض وتموت طوال الوقت بسبب شرب الماء الملوث. نحن فقط نراهم يشربون الماء من هذه الأحواض القذرة ونفترض أنهم هضموا كل تلك الأشياء الملوثة مثل الابطال الخارقين. ومع ذلك، فإننا لا نرى ما يحدث عندما يختبئون في مكان ما (تحت الأشجار أو بين الشجيرات المتشابكة)، ويموتون قبل الأوان بسبب “تتابع” العدوى المنقولة لهم من تلك البرك على وجه الخصوص.
العديد من الحيوانات لديها ميل للاختباء عند زيادة خطورة المرض، وتستمر في الاختباء إلى أن تستعيد عافيتها أو تموت. ولذلك، فنحن غالباً لا نرى الحيوانات التي تصاب بأمراض ناجمة عن شرب المياه من مصادر ملوثة. ويُشار إلى هذا النوع من الاختباء عند الحيوانات باسم “terminal burrowing”.