قصة قصيرةمنوعات

اليوم الأول للمدرسة

في اليوم الاول للمدرسة
تشارلي جاكسن

ترجمة عن الإنكليزية كامل السعدون


كان يوماً مؤثراً في حياتي ، إنه يوم بدء دوام إبني ( لاوري ) في المدرسة ، يا إلهى كيف نمى بهذه السرعة ، ها هو يتخلى لأول مرة عن ارتداء “الاوفراول ” ، ويكف عن دس إصبعه في فمه ، وبدلا من ذلك يرتدى بنطال ألجينز مع حزام جلديٍ أسود .
، لاحظته يرافق الفتاة الأكبر سنا في البيت المجاور لبيتنا ، أدركت إن مرحلة لذيذة عذبة من العمر قد انتهت إلى غير رجعة ، وان هذا الكائن المسالم الودود الذي لا يستطيع أن يفعل شيئا او يخطو خطوة دون إرادتي قد حل محله ولد شقي ببنطال طويل وحزام ، ووجه جاد بصورة مضحكة ، ولد عاق .. نسى حتى أن يقف في منتصف الطريق ليلوح لي مودعا . عاد من المدرسة بذات الطريقة ، في البدء صر صوت الباب منفتحا ، رمى طاقيته على الأرض ، بدا لي صوته منذئذ وقد صار اقرب منه إلى الصراخ :
– أما من أحد هنا ؟
. عند الغداء تحدث مع والده ، بعد أن اهرق حليب أخته بالطريق ، قال إن المعلمة تقول إننا لا ينبغي
أن نقسم بالله كثيرا ونسيء استخدام اسم الرب في الطريق ، كيف كانت المدرسة اليوم ؟
سألته عرضيا .
– لا باس ” أجابني ” ،
– هل تعلمت شيئا ؟ ( سأله والده )
– لم أتعلم شيئا بالمرة هذا اليوم ( أجاب ببرود ) ….
– لا شيء …بالمرة …؟ ( سألته باستغراب )
– – لا …( وصمت لبرهة ثم تألق وجهه وأجاب ) … المعلمة عاقبت أحد الأولاد…!
– لماذا ؟ سأله أبوه وقد بان عليه الاهتمام .
– لأنه كان غير مهذب … كان مستحقا لتلك العقوبة … كان غاية الوقاحة ” قال ذلك وفمه ملآن بالطعام !
– ولكن من كان هذا الولد ؟ وما الذي فعله ” سألته …” .
فكر قليلا ثم أجاب
– تشارلس ، لقد ضربته المعلمة …. وأوقفته عند الزاوية على رجل واحدة …!
ثم انزلق من كرسيه متسللا وفمه ملآن بالطعام ، دون أن يشفي غليلي بإجاباته . في اليوم التالي وعند الغداء أيضا وحالما تسلق كرسيه ، بدا عليه الاهتمام والتفكير وكأنه يدبر أمرا :
– حسنا تشارلس هذا اليوم غدا اكثر فظاظة وسوء أدب ، شيء لا يطاق .. لقد … لقد ضرب المعلمة هذا اليوم …!
– يا الهي … هذا فضيع … فضيع ..هذا غاية الاستهتار ” قلت وأنا بغاية التأثر والاشمئزاز لسلوك هذا الطفل الشاذ ”
– هذا أمر لا يمكن السكوت عنه ، كيف يسمحون لمثل هذا الطفل في البقاء بالمدرسة .
– هذا الطفل لا شك مريض ويجب أن يأخذ إلى مصحة للعلاج النفسي ” قال أبوه وقد توقف عن الأكل متابعا بغاية الاستثارة والاهتمام هذا الحديث الغير مستحب في هذه الساعة وهذا المجلس ، والذي فرضه علينا دون إرادتنا ولدنا الحبيب .
– احسب انه عوقب بقسوة هذا اليوم أيضا ” قلت باهتمام وترقب للرد .
– لا شك فمثل هذا الفعل لا يمر قطعا دون عقاب ، وعقاب حازم أيضا ” قال زوجي ” .
– طبعا .. طبعا ..” قالها ضاغطا بقوة على مخارج الألفاظ وقد بدت لهجته لهجة تشفي من هذا التشارلس .
– لكن ماذا فعلت المعلمة له حتى يسيء الأدب معها بهذه الصورة ألمستهجنه ” سألته بسرعة بعد أن لاحظت تململه في مجلسه وخمنت انه موشك على الإفلات لغرض اللعب في الخارج .
– لأنها أرادت منه أن يلون باللون الأحمر في حين كان هو يرغب باستعمال اللون الأخضر ، ولهذا ضرب المعلمة ، فردت هي بمعاقبته بالضرب بالمسطرة على مؤخرته ، ثم … قالت :
– لا أحد يلعب مع تشارلس …” ولكننا جميعا لعبنا معه… وقهقه بتحدي ثم أفلت فاراً جهة الباب ” .
اليوم الثالث ، كان يوم الأربعاء من الأسبوع الأول من دوام ولدي في المدرسة ، في هذا اليوم قام تشارلس بدفع الأرجوحة بقوة نحو وجه إحدى الفتيات مما أدى إلى إصابتها إصابة عنيفة سببت نزفا في الرأس وهذا ما دفع المعلمة إلى معاقبته بإبقائه في الصف طوال فترات الاستراحة ، وحرمانه من اللعب مع الآخرين في الفسحة . يوم الخميس ، توجب على تشارلس أن يقف عند الحائط خلال حصة قراءة القصص ، لأنه ظل يدق برجله على الأرض حارما الآخرين فرصة الاستماع بهدوء للدرس ، الجمعة …حرم تشارلس من امتياز النهوض إلى السبورة ، لأنه رمى طبشورا على أحد التلاميذ .
يوم السبت ، لفت نظر زوجي ” إلا تعتقد إن روضة الأطفال هذه تفتقد إلى الاستقرار ؟كل هذه المتاعب التي يسببها تشارلس ، زائدا إن المدرسة تفتقد إلى قواعد تربوية سليمة ، كما إن التأثير السيئ الذي يسببه تشارلس على ابننا والآخرين ، سيؤدي لا شك إلى اضطرابات سلوكية ” لا باس ، سيكون كل شيء على ما يرام ” قال زوجي لطمأنتي ” أشخاص مثل تشارلس ، لا بد للمرء أن يلتقيهم عاجلا أم آجلا ” .
يوم الاثنين ، جاء ولدي متأخرا ، وفي جعبته كومة أخبار :
– تشارلس .. ( هتف …حالما ولج باب البيت ) وانتبهت بكامل كياني له ، إذ كنت متلهفة لسماع ما فعل تشارلس هذا اليوم …!
– تشارلس كان سيئ السلوك هذا اليوم أيضا .
– قل ما عندك بسرعة .. ماذا فعل تشارلس اليوم …!
– أتعلمين ماذا فعل تشارلس اليوم ؟ قالها وهو يتبعني إلى غرفة المعيشة حيث مائدة الغداء معدة سلفا ، حيث أكدت له أني لا اعرف ، أجاب بتلذذ :
– لقد بدا فجأة يصرخ صراخا مرعبا ، لقد أخاف الجميع .
قد هرول بعض منا إلى المعلمة لاستدعائها في الحال ، وحين جاءت من استراحتها أمرت تشارلس بان يبقي في الصف حتى بعد نهاية دوام المدرسة ، وقد ظللنا جميعا في المدرسة لمشاهدته .
– وماذا فعل هو ؟ ” سالت باهتمام ” .
– لقد جلس هناك دون أن يفعل شيئا ” أجابني وتابع ”
– لقد ترك لما بعد انتهاء الدوام . ”
– أي نوع من الأطفال هذا التشارلس ، كيف يبدو يا ترى ؟ ” قلت لزوجي الذي بدا عليه الانفعال هو أيضاً ، وتسائل بدوره محتدا ” :
– ما هو اسمه الكامل ؟ .
– انه اكبر مني ، ثم انه لا يأتي معه بأقلام ومساحات ، وهو لا يرتدي كنزه صوفية ! ” أجاب ولدي ، وسط دهشتنا لهذا الرّد الذي لا يفصح بشيء عن هوية تشارلس .
مساء هذا الاثنين كان لدينا في المدرسة لقاء الأباء بالمعلمين لدراسة أمور أبنائنا ومناقشتها مع الهيئة التعليمية ، لكني وللأسف الشديد لم استطع الحضور لبرد أصاب رضيعي ، كنت في غاية اللهفة للذهاب إلى المدرسة ورؤية تشارلس ، ولكني حرمت من هذه الفرصة ، في اليوم التالي جاءنا لورلي بخبر ليس عن تشارلس هذه المرة .
– أتعلمون .. معلمتنا ، جاءها زائر هذا اليوم ..!! .
– ماذا أهي أم تشارلس يا ترى ” هتفنا أنا وزوجي بصوت واحد ” .
– كلا ..” قال لورلي بازدراء ” .
– كلا انه شخص جاء وأعطانا تمارين :
– هذا جميل .. وتشارلس .. ألم يؤدي التمارين ” سألت باهتمام ..” .
– كلا تشارلس … لقد كان سيئا جدا مع صديق المعلمة ولم يسمح له بان يعطيه تمارين .
– ثم…. ” … تابع بعد هنيهة تفكير ” .
– لقد رفس صديق المعلمة .. بعد أن طلب منه أن يلمس إصبع قدمه كما افعل أنا هكذا الآن ” وأحنى جذعه إلى الأمام ليرينا كي فعل تشارلس ما طلبه منه صديق المعلمة ، ثم رفسه تشارلس ببطنه .
– ماذا تعتقد انهم سيفعلون مع تشارلس ؟ ” سألت زوجي ” .
– سيرمونه خارج المدرسة.. كما أظن ” أجاب بحنق وكأنه يتمنى أن هذا هو ما سيحصل ” .
– واستمرت أفاعيل تشارلس والمقالب المرعبة التي يفعلها ، وحيله الشيطانية ، محور حيلتنا طية الأسابيع الثلاث الأولى من بدء الدوام في المدرسة ، حين يبكي رضيعي بإلحاح في المساء ، صرت ادعوه تشارلس ، حين كر زوجي منفضة سجائره الأثيرة لديه ، هتف ” لقد أصبحت شريرا مثل تشارلس ” . ولكن فجأة لم يعد تشارلس ذلك الشرير المرعب الخبيث الذي عرفناه طيلة الأسابيع الثلاث الأولى .
– ماما … بابا ..تشارلس أيضا هذه المرة ، ولكنه لم يعد شريرا ..!! .
– ماذا تشارلس لم يعد شريرا … تشارلس لا يمكن إلا أن يكون شريرا ، وإلا ما كان هذا هو تشارلس الذي عرفناه ” هتف زوجي محتجا ، في حين كنت أنا في قمة الدهشة والترقب .
كان ينظر لنا ممزمزا بشبه ابتسامة ، وهو يتشاغل بالنظر إلينا ويمتنع عن إلقاء كل ما في جعبته حتى يزيد من لهفتنا واستجدائنا له للإفصاح عن كيفية وسر التحول الذي حصل لتشارلس .
– قل بالله عليك .. كيف إن تشارلس لم يعد شريرا .
– نعم هذا اليوم كان لطيفا مع المعلمة ، كان يجمع لها الطباشير المتساقط وينظف السبورة ، وكان يبتسم للمعلمة ، وقد .. قالت له أنت مساعدي منذ الآن فصاعدا ، وأعطته تفاحة ..!! .
– ماذا … تشارلس .. يساعد المعلمة ، التي كان برفسها ويرمي عليها الطباشير … وتعطيه تفاحة ، وتجعله مساعدا لها .. ما الذي جرى له .. كيف تغير هكذا .
– هكذا .. انه مساعد المعلمة ومراقب الصف الآن .. هي قالت له ذلك وكلنا سمعنا .
– أيمكن أن يكون ذلك ..؟ ” سال زوجي مندهشا ..” لكن ( لورلي ) كان قد غادر مهرولا نحو الخارج ، في هذا اليوم والأيام التالية تحول تشارلس إلى ملاك يثير من دهشتنا ما يتجاوز ما أثاره إبان مرحلة الشر التي سلفت ، كم أتمنى لو أقابل هذا التشارلس لأسال عن كيفية حدوث المعجزة التي غيرت حياته وأحالته إلى هذا الملهم ، المبدع ، المعاون للمعلمة ولكل الزملاء .
وهذا ذاته كان مطلب زوجي وأمنيته :
– لو فقط أصادف تشارلس أو أبيه وأساله ما الذي جد مع ابنهم ، وكيف حصل التحول .
– أنا سأراه ” قلت لزوجي ” .
– ربما في البدء أرى أمه ، وسأطلب منها أن تسمح لتشارلس بالمجيء لزيارتنا ، وان كان هو الأكبر في مدرسة الأطفال ، فإني سأتعرف عليه ، ربما يكون مفيدا لابننا بعد هذا التحول العظيم الذي حصل عنده .
– نعم … نعم وأنا أتمنى لو تعرفت على والده ، كم بودي لو حضرت لقاء الآباء والمعلمين في الأسبوع القادم لولا عملي المسائي ، عموما اعتمد عليك في هذا الأمر ، حاولي التعرف على أمه ومن ثم نتعرف عليه وعلى أبيه !
كان يوم اللقاء مشهودا ، كنت انتظره بفارغ الصبر وقد أزف ، كانت عيناي تجولان في الجالسات بحثا عن أم تشارلس ، عن امرأة تحمل لا شك في ملامحها اضطراب التحولات ، قطعا هي امرأة متناقضة ، ربما أرى عيون راهبة وشفاه او شعر ساحرة ، ربما هي امرأة محتشمة من الأمام وعارية من الخلف ، ربما تسلم علي بخشونة في البدء ثم تنفجر باكية معتذرة ، ربما… وربما ، لم أجد في كل من رأيت امرأة تبعث في النفس انطباعا أوليا غير مستحب ، او تثير الإعجاب والانبهار ، كلهن كنّ عاديات للغاية ، مثلي … مثل أي ربة بيت رضية النفس ، رائقة المزاج ، بسيطة التفكير ، وهذا ما زاد حيرتي ، ربما لم تأتى !! ، ربما هي ميتة أصلا ، او أنها في مكان بعيد الآن ، او ربما مريضة ، أو مطلقة ولا تعيش مع ابنها !! ، بينما كنت أتشاغل بالنظر إلى الأخريات دون اهتمام جدي بهذا الاستعراض الممل الذي قدمته ناضرة المدرسة : .
– لاحظت انك لم تاخذي لنفسك قدح من القهوة وبعض الكيك فجئتك به ، إذا أحببت ( جائني صوتها من الخلف بينما كانت عيناي تجولان في الحاضرين بحثاً عن أم تشارلس ) .
كانت معلمة أبني الشابة ، وننهضت لها محيية شاكرة هذا اللطف وتابعت :
– الحقيقة أنا راضية جدا عن لورلي ، انه ولد في غاية التهذيب واللطف ، أني فخورة حقا به في البدء فقط ، كان مشاغبا ولكنه تغير كثيرا وبالتدريج حتى وصل إلى هذا المستوى الطيب من الخلق والتهذيب والاهتمام الدراسي ، شعرت بالفخر لهذا الإطراء الذي خصت المعلمة به ابني ، ولكني بذات الوقت تأثرت للفترة الأولى من العام الدراسي والتي بدا فيها ابني سيئ الخلق ، فض السلوك … وددت أن اعتذر عنها ، فعلقت بلهجة اعتذار :
– ربما كان التأثير السيئ لتشارلس قويا في الأسابيع الأولى ..!!
– عفواً … ومن هذا التشارلس .. أجابتني .. ” ثم تابعت وهي تحدجني باستغراب …”
– ليس لدينا في صفُ أبنك شخصٌ باسم تشارلس . 

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى