منوعات

رواية أثر على أثر

رواية
فلاديمير شاروف خلال تتويجه بالبوكر الروسية 2014
 رواية “أثر على أثر” (ترجمان للترجمة والنشر، الكويت) هي أوّل رواية مُترجمة إلى اللغة العربيّة للكاتب والروائي الروسي فلاديمير شاروف، الحائز على جائزة البوكر الروسيّة سنة 2014، بتوقيع المترجم العراقي تحسين رازق عزيز.

رواية “أثر على أثر” هي أولى روايات فلاديمير شاروف المُترجمة إلى العربيّة، وهي باكورة إصداراته الروائية أيضًا، تقوم على مذكّراتٍ تدور أحداثها في الفترة الممتدّة من نهاية القرن التاسع عشر وحتّى بداية سبعينات القرن العشرين، عارضةً أبرز المراحل المفصليّة في تاريخ روسيا الحديث، متناولةً حياة الإنسان الروسي في تلك الفترة، ومعاناته وتطلعاته في ظلّ ظروف اجتماعيّة وسياسيّة متقلّبة وغير مستقرّة، وذلك من خلال سرد يوميّات وحكايات شخصيّات الرواية الرئيسيّة، كما تسلّط الضوء أيضًا على العديد من القضايا الاجتماعيّة والانسانيّة في تلك الفترة.

 

يعدّ فلاديمير شاروف واحدًا من روّاد الرواية التاريخيّة الروسيّة، وقد صدر له في الرواية: “البروفات”، و”قبل الأوان وفي الأوان”، و”لا تأسوا عليَّ”، و”الفتاة العانس”، و”قيام لازاروس”، بالإضافة إلى “العودة إلى مصر” الحائزة على جائزة البوكر الروسيّة 2014. ومقالات قصصية تحت عنوان “إغراءات الثورة”، ومجموعة شعريّة بعنوان “إطار المياه”.

أمّا المترجم العراقيّ تحسين رازق عزيز، فقد صدرت له عدّة ترجمات موزّعة ما بين الرواية والبحوث والدراسات العلميّة، منها: “تأملات في تاريخ الأدب الروسي، ف. يا. لينكوف” (دراسة)، “حياة وإبداع، إ. إ. ستريلكوفا” (دراسة)، “الجدار” (نصوص أدبيّة روسيّة)، “آدم وميريام، دينا روبينا” (رواية).


مقطع من رواية “أثر على أثر”

رغم أني قضيت طفولتي كلها في فارونيش، وأعرف فيها كل بيت وكل شارع، وأعرف الكثير من الناس الذين يعيشون هناك – إذ كان عند أبي وأمي ما يسمى “بيت مفتوح”، وكان يأتي إلينا جميع من له ارتباط بالجامعة، ما عدا القليل – باختصار، رغم أنّ المدينة يجب أن تكون بالنسبة لي حيويّة بسبب الناس والعلاقات والذكريات، لكنّها لم تكن كذلك بتاتًا. فالعمارات ضخمة ومنخفضة كأنّها لك يكتمل بناؤها، والشوارع طويلة كالأنفاق تقطع المدينة كلّها “ذكرى عن بطرس وبطرسبورغ”، تهب فيها شتاءً رياح سهوب حوض الفولغا – أكثر ما خفته في طفولتي أن تحملني هذه الرياح بعيدًا –  تأتينا هذه الرياح من جهة مدينة ساراتوف، لكن موطنها أبعد، في سهوب كازخستان، بل وأبعد، في سيبيريا. والمدينة ذاتها بدت لي أنَّ أصلها من هناك. طبعا أنا لست محقًا، والمدينة على كل حال حيوية، فقد ولد هنا عدد من الفنانين والشعراء والكتاب الجيدين، ومن هنا كذلك كاتبي المحبوب أندريه بلاتونوف.

كانت في فارونيش وما تزال مسحة من روح العاصمة، وعشرات البنايات الضخمة، والبالية – كل هذا ذكرى من حقبة قصيرة، عندما كانت عاصمة لإقليم أرض السواد الوسطى الكبيرة، ومن ثم كانت من المقرر حسب الأقاويل، أن تصبح عاصمة جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية، لكن الغالب فيها الحرمان.

فارونيش كانت مخدوعة على حدٍ سواء من روسيا ومن المحافظة القديمة التي بقي منها بعد الحرب بالكاد الثلث، لكن الخديعة تلك، لا سيما بمقاييس ذلك الزمان، لم تكن قاسية ولا رهيبة.

بعد الثورة استوطن هنا الكثيرون: سواءً هيئة أساتذة جامعة تارتوسكي، أو أولئك الذين انتقلوا إلى هنا في زمن نهضة فارونيش، ثم لم تعد المدينة تمتلك قوة للنهوض والتحليق من جديد. وسرعان ما اختلطوا جميعًا مع سكان فارونيش الأصليين، لأن الأماكن الفارغة والمهجورة من أهلها كانت كثيرة، والهروب من هنا كان سهلًا – فالدون وروستوف وكوبان والقرم على مرمى حجر. وعندما يجتمع هؤلاء المثقفون من ذوي المهن المختلفة، يقومون كالسابق بإخراج مسرحيات الهواة ويلعبون الورق والمطاردات الشعرية، وقرب حلول رأس السنة تدور الأطباق، من جديد، كالسابق، وطوال شهر كانون الثاني لا تُرفع من البيوت أغصان الصنوبر المزغبة الصغيرة، التي تُستعمل هنا للزينة بدلًا عن شجرة الشوح (في عيد الميلاد ورأس السنة) ولا تتساقط تقريبًا أُبرها الطويلة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى