قبيلة العوامر في الإمارات بين الماضي والحاضر
تُعد قبيلة العوامر من القبائل العربية العريقة التي لعبت دوراً بارزاً في تاريخ الإمارات العربية المتحدة وثقافتها. نشأت هذه القبيلة الهوازنية في نجد، وهاجرت عبر شبه الجزيرة العربية لتستقر في عدة دول خليجية، حيث ساهمت في التطور السياسي والاقتصادي والثقافي للمنطقة، وخاصة في دولة الإمارات.
النشأة والأصل والهجرات
نشأت قبيلة العوامر في السهوب شمال حضرموت، وتنتمي إلى نسل عامر بن صعصعة من القبائل الهوازنية القيسية المضرية العدنانية. اشتهرت بالشجاعة والقوة والكثرة العددية، حيث كانت من أكثر القبائل عدداً عند ظهور الإسلام. بدأت هجراتهم من موطنهم الأصلي في نجد، متجولين في أنحاء شبه جزيرة عمان من مسقط إلى أبو ظبي، في عملية استمرت لأكثر من 500 عام. كانوا بدواً رحلاً يعتمدون على تربية الإبل والغزو، مع اهتمام محدود بصيد اللؤلؤ.
تتوزع قبيلة العوامر حالياً في عدة دول عربية بشكل يعكسُ أولاً امتدادها الجغرافي الواسع، وثانياً التنوع الثقافي الناتج عن البيئات المختلفة التي استقر فيها العوامر عبر البلاد:
- في الإمارات العربية المتحدة: تشكل قبيلة العوامر جزءاً أساسياً من النسيج المجتمعي، خاصة في إمارة أبوظبي.
- أما في سلطنة عمان، فتتواجد في مناطق مثل آدم والعيون والمضيبي.
- في المملكة العربية السعودية: استقر بعض أبناء العوامر في الأحساء.
- كما لهم وجود في البحرين واليمن ومصر، حيث استقروا في هذه الأخيرة في مناطق الصعيد مثل أسيوط والقوصية والمنيا وسوهاج وقنا.
في الإمارات، حيث موضع تركيزنا في هذه المقالة، فالعوامر يتركز وجودهم في المنطقة الجنوبية لأبوظبي، خاصة في مناطق العين وأم الزمول وزرارة والربع الخالي، بالإضافة إلى أرض الختم والكدن والحمرة.
شخصيات بارزة من قبيلة العوامر بين الماضي والحاضر
برز من قبيلة العوامر عدة شخصيات تاريخية وثقافية مهمة، منهم:
- لبيد بن ربيعة العامري: من أصحاب المعلقات وأحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية والإسلام.
- أم المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود العامرية.
- أم المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمر بن عبد مناف الهلالية العامرية، وكانت تلقب بأم المساكين.
- أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن هزم بن رويبة بن عبد الله الهلالية العامرية.
- أم المؤمنين العالية بنت ضبيان العامرية.
- جياش بن قيس الأعور العامري: صحابي جليل، شهد معركة اليرموك وقيل إنه قتل بيده ألف نصراني.
- الشيخ سالم بن مسلم بن حم العامري: كان رجل سياسة وشجاعة، وكان رئيسًا وشيخًا لبدو العوامر. اشتهر بالحكمة والعقل والشعر، وكان أحد المستشارين والأصدقاء المقربين من الشيخ زايد رحمه الله.
- الشيخ مسلم بن سالم بن حم العامري: وهو ابن الشيخ سالم، وورث عنه رئاسة قبيلة العوامر، فأصبح حاليا شيخ قبيلة العوامر في الإمارات، وهو رجل سياسة واقتصاد وثقافة، يشتهر بأعمال الخير والإسهامات المجتمعية القيمة.
هذه بعضٌ من الشخصيات التي ساهمت في تشكيل الهوية الثقافية والسياسية لقبيلة العوامر، وتعزيز مكانتها في المجتمع قديماً وحديثاً، في الجزيرة العربية قديماً، وفي الإمارات حديثاً.
الإسهامات الثقافية لقبيلة العوامر في الإمارات
مساهمات قبيلة العوامر الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة ذات أهمية كبيرة ومتعددة الأوجه. لعبت القبيلة دورًا حيويًا في الحفاظ على التقاليد والعادات البدوية مع التكيف مع التحديث. تم توثيق خبرة القبيلة في اكتشاف المياه وحفر الآبار، والمعروفة باسم “باسيرون”، في دراسات علمية، مما يبرز مهاراتهم الفريدة في تحديد مصادر المياه الجوفية.
أغنت تقاليدهم الشفوية، بما في ذلك قصص الشجاعة والولاء، الأدب والشعر الإماراتي. شخصيات بارزة مثل سالم بن حام عملت كجسور ثقافية مهمة، حيث قدمت رؤى حول العادات القبلية والتقاليد الاجتماعية التي ساعدت في تشكيل الذاكرة الجماعية للمجتمع الإماراتي.
الأدوار الاقتصادية لقبيلة العوامر في الإمارات
لعبت قبيلة العوامر أدواراً اقتصادية واجتماعية مهمة في منطقة الخليج العربي:
- الخبرة في الأفلاج: تميز العوامر بمهارتهم الفائقة في حفر الآبار وإنشاء الأفلاج، مما جعلهم مطلوبين لتطوير موارد المياه في المنطقة. استعان بهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لتطوير أفلاج العين، مما ساهم في تحقيق التنمية الزراعية والعدالة الاجتماعية.
- التحالفات القبلية: شكل العوامر جزءاً من التحالفات القبلية المهمة، خاصة مع بني ياس وآل نهيان في أبوظبي. هذه التحالفات لعبت دوراً في تشكيل الخريطة السياسية والاجتماعية للمنطقة.
- التكيف مع التغيرات الاقتصادية: انتقل العوامر تدريجياً من نمط الحياة البدوية إلى الاستقرار في المدن والعمل في قطاعات جديدة مثل شركات النفط، مما يعكس قدرتهم على التكيف مع التحولات الاقتصادية في المنطقة.
التحالفات السياسية لقبيلة العوامر في الإمارات
لعبت التحالفات القبلية دوراً محورياً في تاريخ قبيلة العوامر وتشكيل مكانتها في المنطقة:
- تحالف مع بني ياس: ارتبط العوامر بعلاقة وثيقة مع قبيلة بني ياس، خاصة في منطقة أبوظبي. هذا التحالف عزز مكانة العوامر وجعلهم من القوى الفاعلة في تاريخ المنطقة.
- الولاء لآل نهيان: تميز العوامر بصدق الولاء والإخلاص لشيوخ آل نهيان، مما منحهم مكانة خاصة ودوراً مهماً في الأحداث التاريخية للإمارات.
- المشاركة في الصراعات الإقليمية: شارك العوامر في عدة نزاعات إقليمية، بما في ذلك الصراعات حول مدينة البريمي وأبوظبي في عشرينيات القرن العشرين.
- التحالف مع آل بوفلاح: طلب جزء كبير من القبيلة الحماية من آل بوفلاح في أربعينيات القرن العشرين، مما عزز مكانتهم في المنطقة.
هذه التحالفات ساهمت في تشكيل الهوية السياسية والاجتماعية للعوامر، وعززت دورهم في تاريخ المنطقة وتطورها.
تأثير قبيلة العوامر في الفنون الشعبية والتراثية
تركت قبيلة العوامر بصمة واضحة على الفنون الشعبية والتراثية في منطقة الخليج العربي، خاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة:
- الشعر النبطي: برع شعراء العوامر في هذا الفن الأدبي الشعبي، حيث ساهموا في إثراء التراث الشفهي بقصائد تتناول مواضيع البطولة والفخر والحكمة.
- الأهازيج والرقصات: طوروا أشكالاً فريدة من الأهازيج والرقصات البدوية التي تعكس حياتهم في الصحراء، والتي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من التراث الإماراتي.
- الحرف اليدوية: تميزوا في صناعة المنسوجات والسدو، وهو فن نسج الصوف التقليدي، الذي يعكس البيئة الصحراوية وثقافتهم البدوية[3].
- القصص الشعبية: ساهمت حكايات العوامر وأساطيرهم في تشكيل الذاكرة الجمعية للمجتمع الإماراتي، حيث تناقلت الأجيال قصص البطولة والحكمة.
هذه المساهمات الفنية والثقافية عززت دور العوامر في الحفاظ على الهوية الثقافية الإماراتية وتطويرها، مما جعلهم جزءًا أساسيًا من النسيج الثقافي للمنطقة.