وفـيّـات أصدقاء بـُعادى
قصة قصيرة للكاتب والناقد الأمريكي
جون أبدايك John Updike
ترجمة: انعام الشريفي
رغم انني كنت أجولُ لبضعة سنوات بين الزيجات في هرج ٍ ومرج ٍ استلـَبَ كل حواسي، فان الآخرين واصلوا بدورهم العـيـشَ والموت. لين، رفيق قديم في لعب الغولف، بين عشيـّة وضحاها حلّ بالمشفى لما قيل له أنـّه فحص روتيني، ووقع ميتاً في الحمام فوراً بعد أن انتهى من اتصال هاتفي بمخزن الخردوات ليعلمهم انه عائد صباحاً لمباشرة العمل. فهو صاحب المخزن واعتاد أن يعهد به الى مساعده في النهارات المُشمسة فقط.
كان تسديد ضربته خاطفا، وكان يلقي بثقله الخلفي على قدمه اليمنى، وغالبا ماتنبثق كرته الى اليسار دون أن تصل الهواء البتة لكنه يفلح في اليوم الواحد أن يغور بالكرة الى الهدف ببضعة ضربات ٍ موّفقة فـذة. وكان دوماً يظهر بملبس ٍ أنيق يوحي بآمالٍ عريضة للعبة التي يخوضها، فهو ببنطاله الأصفر الفضفاض بلون زهرة البتركبi والياقة السمائية اللون الضيقة المنتصبة للأعلى وسترته الكشمير ذات اللون البرتقالي المُحمّر سيتغاير عن نـَسـَق الأخضر المحيط به، وآتي أنا وقد قدتُ الطريق من بوسطن عبر سحابات ٍ من الأسى والأرق والاضطرام المعنوي أجرجرُ عربتي عبر مساحة الاسفلت المخصّصة للوقوف، فـتـَصـِـرُّ حدوة َحذائي عند كلّ خطوة أخطوها مثل براثن الوحوش.
رغم أن لين كان قد عرف جوليا وأحبّها، وهي زوجتي التي كنت قد تركتها، فأنه لم ينبس ببنت شفة بشأني الشخصي عندما كنت أقود السيارة ساعة كاملة لألتقيه بخلاف ماكنت عليه سابقاً اذ آتيه بعشرة دقائق من الشارع المجاور. فقد كان الغولف بالنسبة لي اذ ذاك ملاذاً ومهجعا، حالما اجتـاز فيه كومة الرمل الأولى التي تحمل كرة الغولف في مسعاي للهدف، أحسّ بانني مطـَوّقٌ في حرم ٍ وسيع ٍ ووضـّاء، بمأمن ٍ من النساء والأطفال المهووسين والمحامين الوقورين والمعارف القدامى واستهجاناتهم والنظام الاجتماعي وغـيظهِ بكليته. فللغولف نُظـُمه الخاصّة وحبّه الخاص فبينما يترنح ثلاثتنا أوأربعتنا ونتصايح لنشقّ طريقنا كلٍّ الى حفرة الآخر، نضحك على سوء الحظ العاثر ونهلـّل للضربات النادرة ذات الجودة النسبية. وأحياناً نجد سماء الصيف قد أحلكت وتهب العاصفة فـنـتحلـّق تحت ظلّ قاطرة ٍ مهجورة أوتحت شجرةٍ تبدو اكثر أمناً من أخواتها من الصواعق. وعندها فأن نفاد صبرنا واهتياجنا العصبي المفطور فينا لانقطاع اللعب والاثارة يخلـُصُ بكليته في هذا الحيز من المحميّة الى مايكاد يقارب حرارة العشق، أنفاسُ وعرقُ رجال في متوسط العمر متراصّين تحت المطر الهاطل بلا انقطاع مثل قطيع ماشيةٍ في شاحنة النقل المغلقة كالصندوق. وكان في وجه لين بقعاً متقرّنة من الأشعاع وكان ينوي ازالتها جراحياً قبل أن تتحول الى سرطان الجلد. فمن كان يحـسب ان صاعقة شريانه التاجي ستـَبتـُرُ بتراً خططه ومشاريعه وتمسحهُ مسحا ًمن حياتي المتشابكة؟ فأنه ما من (رُقاقـتا ثلج ٍ ولا بصمتا أصبعين ولا خفقتا قلبٍ في جهاز الرسم البياني ولا رميتا كرة الغولف قد تماثـلتا أبداً)، هل أبداً سأبصر ملـَكـَته المتأنقة المـَلبـَس الباعثة على الأمل ثانية (هللو ياكرتي العزيزة، هكذا يمزح بينما يشرع بالتهادي الى جلسة القرفصاء) ويبّث كرة منخفضة الى اليسار بطريقته المتفرّدة ونسمعه هاتفا ً باحباط غاضب (فهو يُعَدّ ممن خاض ولادة روحية ثانيةiiفي الكنيسة المعمدانية ممّا أكسبه لغة ً شخصية تترفع عن اللعن المباشر): ” ياكومة ً ممسوخة ً وسخة “
قدتُ سيارتي الى جنازة لين وحاولت أن أخبر ابنه: “كان أبوك رجلا ً عظيماً ” الا ّ ان الكلمات تساقطت مترهلة في تلك الكنيسة المعمدانية الباردة. أن الوان لين المـُزَوّقة، وفورته الحماسية المسيحية، وتسديداته الواعدة والمهدورة للكرة، وصيحات ظفرنا في الذهاب والاياب، وجـَمعـُنا عبر كون ٍ مصنّع يتألف من أطوالٍ متغايرة وثابتة، وأنواع ٍ من العشب كانت جميعها مَـسـَحات حياةٍ أرقّ ُ من أن تـُأسر، بل لابدّ أن تـتـبدّد.
بعد برهة من الزمن قرأتُ في صحيفة أن الآنسة أيمي مـَير ِماونت ذات الواحد والتسعين عاماً قد قضت نحبها أخيراً فشابهت الورقة اليابسة التي تـُحال الى فــُتاة. كانت قد بدت دوماً شيئاً عتيقا ً، كانت أحدى أولئك الأنجليز المُحدَثينiii ومن الأواخر الذين يتداولون سيرة هنري جيمسiv وكأنه قد غادر الحجرة لتوّه. وكانت تمتلك رسائلا ً ماتلبث مطبقة ً أومبعثرة ً الى قطع بعثها هنري جيمس الى والديها حيث يـأتي على ذكرها لا كفتاةٍ صغيرة ولكن كسيـّدة فتيـّة “تشارفُ على “خصوصيتها”، على زهوتها التي تحُوطها تماما ً”. كانت تعيش في بضعة غرف ٍ محتشدة بالقطع الأثريـّة في بيت ٍ ريفي ورثته وخصّصت القسم الأكبر منه للإيجار فحـُشـِرَت حشراً فيما تبقى منه. أما لـِمَ لم تتزوج أبدا ً فقد ظلّ هذا سراً هجـَع عليها هـَوناً ونعومة في شيخوختها ، فلعلّ ذلك الجمال السـَـلـِس الناحل الذي نشهده في الصور الفوتوغرافية الداكنة الحبريـّة اللون، وسيماء السـُلالة النبيلة وتوقـّد الذهن، والتحمّس (بالمعنى الروحي) الذي لم يبرحها قد أوقع الهلع في نفوس الكثير من طالبي يدها مثلما جـَذ َبتهم اليها عين ُ هذه الفضائل. ولعلـّه قد أوجد لديها، وهي في عهدٍ ماتلبث فيه مفردة “الطهر” ذات وقع و”نكران الذات” ذات مقام ٍ في عينيها، قيمة ً لا تعلو فيها تلك اللحظة المهيضة الجناح في أيّ موردٍ لهذه الفضائل. وكان لصوتها نبرة جافة تهكميـّة وفي سلوكها شيءٌ من التململ والرفض. كانت قد أشبعت نفسها تثقيفاً فهي تتابع التطورات الجديدة في العلم والفن وتتناول الطعام الطبيعي وتتعاطى في القضايا السياسية الساخنة يوم كانت كل هذه موضات سائدة. وكانت تحبّ أن يتحلّقُ حولها أناسٌ بغضاضة الشباب. فعندما انتقلنا أنا وجوليا الى المدينة مع الأطفال بوجوهنا الجديدة الطريّة، أصبحنا جزءاً من جلسة الشاي المعقودة لديها في اجواء ٍملؤها الفتور، ولولا ذلك الأفتتان المتبادل بيننا لـما دامت معرفتنا لعشرين سنة.
ولعل الأمر لم يكن بذلك الفتور، فاليوم أعتقد أن الآنسة مَـيرِماونت قد أحبـّتـنا أو بأضعف الايمان قد أحبـّت جوليا التي كانت ترفلُ بالدماثـة، وتزهو كأبنة ودودة حانية عبر تلك الحُجَر الشحيحة الدفء والمستمـِّدة ضيائها من النوافذ والتي يزدحم فيها متاع ٌ ريشي مستدقٌ ومتطاول من إرث ٍ كان يوما ً مفروشا ً عبر الطوابق الأربعة لبيت “باك بـَيْ ” المَدني الطراز. ويخلـُد في ذاكرتي ألق ُ ذقن زوجتي السابقة المكتنز وحنجرتها واكتافها المكشوفتين التي تندمج مع المـَلـَس الشبحي لصور الأخوات مـيَرِماونت ذات الأطارات القديمة المـُصممّة للأستوديوهات. كانت الصور لثلاثة أخوات، نزلت بهما فجيعة الموت مبكـّراً في شبابهما كما لو أنهما أوصتا بقسطهما من السنين إرثا ً للثالثة، تلك الناجية التي تجلس معنا في كرسيـّها المُجنـَّح المـُوشّى بالذهب. وكان وجهها قد استحال بـُنـيـّا من الشيخوخة ً فلايمكن التنبؤ بما فيه، عاجاً بالتجاعيد كوجه هنديّ أحمر، هذا وثمـّة شيءٌ وحشيٌّ كوحشية الهندي الأحمر يلمع في عينيها المعتمتين. “أراها مخيبة للآمال بعض الشيء”، كانت قد تندّ ُ عن هذه الكلمات بجفاء عن أحد المعارف المشتركين الغائبين انذاك أو عن أحدى تلك اللواتي انفـَصَلت عن حلقتها :”لـَم تك ُ تماماً من الطراز الأول”.
أن البحث عن الطراز الأول شيء من العهد البائد لجيلها، والآن لااتذكر من نال استحسانها كلياً مثل ماناله الأب دانيال بـَريجان والسـيِر كينيث كلارك. لقد شاهـَدت كلاهما في التلفاز. عيناها ذات البريق الداكن صارتا تخونانها، وكانت أوقات الأصيل الأثيرة الخاصة بالقراءة (التي يخمد الضوء فيها خلف النوافذ وتتراقص النار الناشئة من خشب البتولا في الموقد المؤطر بالنحاس الأصفر) قد استـُبدلت بساعاتٍ مـُجـَدولة منسقة حسب مايبثه التلفاز والمذياع من البرامج التثقيفية. في تلك السنوات الأخيرة كانت جوليا ترتاد منزلها لتقرأ لها قصة أوستن “مـِدِل مارج” وجوان ديديون وبعضاً من قصص بروست ومورياك بالفرنسية بعدما قرّرت الآنسة مـَيرماونت أن جوليا اجتازت اختبار الفرنسية بنجاح. وكانت جوليا تتمرّن بعض الشئ من خلال القراءة لي، وأنا بينما كنت اتطلّع الى شفتيها وهي تزمّها لتصنع صوت الفرنسية فتصغـُران وتــُدَوّران بشدة وكأنهما شفتا قناع أفريقي من العاج، كدتُ أن أقع في حبّها ثانية ً. إن الود بين النساء لـَمؤثـّرٌ ومؤلمٌ ومثيرٌ للرجل، وبرؤياي الخاصّة فأنه كجلسةِ شاي ٍ انتهت الى مجلس خمرٍ للشَريv الاسبانية في تلك الحُجـَر التي يغصّ فيها الأثاث بجـَلـَبة والتي اشتد فيها الشفق حتى صارت الصفحات البيضاء تـُدار ببطئ وأضحى النـَغـَم الصبور لصوت جوليا الأمارة الوحيدة الدالّة على الحياة. بلى إنه الحبّ ما كان ينداح بين تلك العجوز التي تفنى رويداً وزوجتي التي بدورها رويداً تـُمسي متوسطة العمر ويـُمسي ابنائنا بالغين وغائبين، وصوتها يظل ّ لايـُستـَمع اليه مثلما يـُستمع اليه هاهناك. ومامن شك أن ثمة أسرار كانت تودع بين تلك الصفحات. وكانت جوليا تعود من عند الآنسة ميرماونت لتحضير عشائي المتأخر وهي تبدو أكثر شباباً بل أكثر حبوراً وجرأة بعض الشيء.
في ذلك الطور الحرِج مابعد الحياة الزوجية وعندما كان الأصدقاء القدامى مايزالون يبعثون الدعوات بدافع الالتزام، وتجد نفسك لاتملك حضور الذهن الكافي لردها، وأجدني في تجمـّعات كبيرة تحضرها الآنسة مَـيرماونت. وكانت يومذاك عمياءَ تماماً وتصحبها فتاة صغيرة دائرية الوجه، أجيرةًٌ للصحبة ودليل. وكانت السيدة المـُسـّنة المتهالكة التي تـَعرضُ نفسها كريش الطاووس المـغطى بجرسٍ زجاجي مغروزة ً في كرسي مجنـّـح في زاوية الحجرة فيما يلي طاس خمر البنشvi. ولدى اقترابي منها أحسـّت بجسم ٍ يدنو منها فمدّت يداً ذابلة لكنها أسقطتها حالما سمعت صوتي: “لقد أتيت َ شيئاً فظيعاً” ، نطقت بذلك بسحبة نفس طويلة واحدة. أشاحت بوجهها لتـُظهر أنفها الصـَقريّ من الجانب كما لو انني شوّشتُ نظرها. أمّا دليلتها الفتيّة فوجهها المـُدوّر كصحن الرادار سجّل لمحة ً تدلّ على الصدمة، الاّ انني ابتسمت وفي حقيقتي لم أكُ مستاءاً، فثمـّة َ راحة ً في سماع حُكم الآخرين حتى لو كان معادياً. إنه لمن المستحسن أن نعتقد أن هنالك في موضع ٍ ما جهاز تخطيط يسجـّل هزّاتنا وزلا ّتنا. وأنني لأتخيـّل موت الآنسة ميرماونت بأشهر ليست طويلة بعد ذلك، وكخيالٍ أخيرٍلها، في صورة خيطٍ ينبسط ُساكناً رائقاً بمحاذاة جهاز المراقبة الموصول بها في المشفى. وفي هذا الامتداد المنبسط بقي شيئٌ ما تهكميٌ ولاذع، شيئٌ من سداد الرأي لم يُدَنـّس، من الصبر الجليل في عالمٍ عجز لطيلة تسعين عاما ً أن يبرهن على شيء أكثرَ من خيبة الرجاء. ويومذاك كنا أنا وجوليا قد فرغنا من مراسيم الطلاق.
كلّ مافي جعبة البيت المهجور قد فـُقـِد حتماً، اللوحات المعلّقة على الجدران، الهيئة التي يتبارى فيها الظلّ والضوء وتفجـّر دفئ الأماسي ممـّا تجود به المدافئ. حيوانات المنزل: كانوت. كان كانوت كلب صيدٍ ذكر ذهبي اللون اقتنيناه عندما كان الأطفال مايزالون قبل سن البلوغ كطقم من البهلوانيين. وكان مصدر بهجة لاينقطع، كما هو العهد بهذا النوع من الكلاب، وقد ذاق طعم كل شيء حتى الاخصاء وكأن الحياة وابلٌ متواترٌ من البركات. ومن المثير أنه وقبل موته بقليل جلبته ابنتي الصغرى التي تغني في فرقة البانكvii الى البيت الذي أسكنه الآن مع زوجتي ليزا. فجعل يشّم هنا وهناك بتأدب واكتفى بعقف زاوية أذنيه بقلق لينمّ عن التساؤل لمَ حلّ سيده القديم في هذا البيت الغريب الرائحة. وانهار في النهاية مع تنهيدة عميقة على أرض المطبخ، وبدا سميناً وخاملا ً. وقالت ابنتي التي قــَصـّت شعرها قصيراً وصبغت رقعاً منه بالبنفسجي الزاهي إن الكلب صار يجوب الليالي وينهالُ على نفايات الجيران أو على طعام حصانهم. وبالنسبة لي فأن وراء هذا سوء ادارة، فصديق جوليا الجديد لاعب كرة ظهير ربعي في فريق دارتموث ولاعب تنس وغولف ومهووس بحمل حقيبة الظهر بعدّتها والخروج بها ولهذا فجوليا لاتكاد تتواجد في البيت وصارت منهمكة كلياً في مجاراته وفي تعلّم لعبات جديدة. فأ ُهمـِل البيت ومرج الحديقة وصار الأولاد ينساقون داخله وخارجه مع أصدقائهم ولا يتخلصون من الطعام المتعفن في الثلاّجة الا ّ بين الفينة والفينة. ولمّا أحسّت ليزا بما كابـَدْتـُه من انفعالات نطـَقـَت بكلمات لـِبقة ملّطفة وانحنت على كانوت لتهرش مؤخرة احدى اذنيه. ولأن اذنه كانت ملتهبة وحسّاسة فقد أطبق فكيّه عليها بوهن ومن ثم بسط ذيله على أرض المطبخ اعتذاراً.
ومثلما إلتُ اليه عندما نهرتني الآنسة مَرِماونت، بـَدَت لي زوجتي حينذاك ميّالة الى الاغتباط، فهي إذ تواجه شيئاً من المقاومة، فقد أمسى موضعها من العالم متجذ ّراً. وناقــَشـَتْ ابنتي حول مضادات الالتهاب الخاصة بالكلاب، وفي تلك الوقفة ومن أية نظرة عجلى اليهما لايمكن التنبؤ بأيّـتهما الاكبر سنـّاً رغم اتضّاح ايـّتهما صاحبة الشعر غير المألوف. وكما يـُقال في مثل هذا المقام من سقيم الكلام أن ليزا من الصِغـَر بحيث يمكن أن تكون ابنة ً لي. وطالما اني بلغت الخمسين الآن فأن أية انثى تحت الخامسة والثلاثين هي من الصِغـَر بحيث يمكن أن تكون ابنة ً لي، بل معظم أناسيّ هذا العالم هم من الصِغـَر بحيث يمكن ان يكونوا بناتاً لي.
اختفى كانوت لبضعة أيام بعد تلك الزيارة، وبعد بضعة أيام أُخـَر عـُثر عليه في المستنقعات القريبة من بيتي القديم بجسدٍ منتفخ. وقد شخـّص الضابط المسؤول حالته على انها سكتة قلبية، فتسائلت ان كان هذا يمكن ان يحدث لمخلوق ٍ بأربعة أقدام. لقد ضـَربـَتْ الصاعقة كلبي السابق عند ضوء القمر، وقـَلبُه ممتلئٌ بنشوة المستنقعات، ومعدتـُه محشوة بالنفايات، ولقد رَقـَدَ عـدّة أيام بفراء ٍ مـُنتـَفـِش والمدّ يدور فيه ويخرج منه. تلك الصورة تمنحني الرضا كمظهرِ شراع ٍ ملؤه الريح يـشـّـُد زورقه هـَرِعاً بمنأى عن الشاطئ. في واقع الأمر (ورغم أنه من المريع الأقرار) بأنّ كلٍ من هذه الميتات الثلاثة قد جعلتني قريراً هانئاً على نحوٍ ما، فشهود فضيحتي يـُمْحـَوْن، والعالم يـُصبـِح أقل وطأة. وفي نهاية المطاف لن يكون هناك من يذكـُرُني بشخصي في تلك السنين المارجة والمحرجة عندما كنت أعدو بخطى سريعة دون صـَدَفـَتي بين البيوت والزوجات، كثعبان بين أصناف الجلود، وحشٌ من الأنانية، حاجاتي المتنافرة الغريبة عارية ٌ ومخرّمة، وكياني الاجتماعي زريّ ٌ وبلا حصانة. فموت الآخرين يحملـُنـا شيئا ً فشيئا ً حتى لايتبقىّ شيء، وهذا بدوره ضربٌ من الرحمة.
i نبتة زهرية صفراء تنمو كالآعشاب
ii الولادة الثانية تعبير كنسي سائد في أمريكا لمن يخوضون تجربة ما تخلق فيهم أثراً روحياً وتعيد ايمانهم
iii الحديث هنا عن الجالية الانجليزية من البيورتانيين غالباً التي قطنت أمريكا وجلبت معها الموروث البريطاني
iv روائي مولود في أمريكا لكنه عاش في انجلترا وبعض من رواياته تنصب من التراث البريطاني
v خمر مشهورة من الجنوب الاسباني
vi نوع من الكحول يقدم عادة مع طاس كبيرة الحجم وملعقة للغرف في الاحتفالات الكبرى والكرنفالات
vii The Punk حركة موسيقية منشقة عن موسيقى الروك نشأت وتطورّت في الأعوام 1974-1976 تعبر عن تمرد ورفض الشباب للأيدلوجيات المتسلطة وحاليا اندمجت بفرق الروك ثانية