لماذ يهتم علماء الفلك بدراسة الغلاف الجوي للشمس وقت الكسوف؟
يحدث كسوف الشمس الكلي في مكان ما على الأرض مرة واحدة كل 18 شهراً. ولأن المحيطات تغطي نسبة 71 في المائة من سطح الأرض، فإن الكسوف يكون مرئياً على الأرض فقط لفترات قصيرة. إن الكسوف الكُلي للشمس يوم 21 أغسطس 2017 ، أمر مختلف، فلقد مر ظل القمر فوق الأرض لمدة طويلة، مما أعطي العلماء فرصة غير مسبوقة لإجراء قياسات علمية من سطح الأرض.
عندما مر القمر أمام الشمس أمس 21 أغسطس، تم حجب الوجه المشرق للشمس تماماً. يحدث هذا بسبب صدفة سماوية، علي الرغم من أن الشمس أكبر من القمر بحوالي 400 ضعف لكنها أبعد منه بحوالي 400 ضعف مما يجعلهما بنفس الحجم للناظر من الأرض!
في الواقع ، يظهر القمر أكبر قليلاً من الشمس بالنسبة لنا، مما يسمح له بإخفاء الشمس تماماً لأكثر من دقيقتين ونصف في بعض المواقع. ولكن إذا كان لديهم نفس الحجم بالضبط، فإن الكسوف الكلي سوف يستمر للحظات قليلة فقط.
إن كسوف الشمس الكُلي يتيح للباحثين في ناسا تجربة التكنولوجيا التي يمكن أن تساعد يوماً ما في تطوير البعثات المستقبلية، ومع ذلك، يجب عليهم تحقيق أقصى استفادة من الدقيقتين ونصف وأن يستكملوا التجربة على أكمل وجه وأن تكون تجربة لا تشوبها شائبة.
لقد كشف الكسوف الكُلي الشمس عن الغلاف الجوي الخارجي لها – الذي يعرف باسم الإكليل أو طبقة الكرونا- ، والذي لا نستطيع رؤيته بين أشعة الشمس المشرقة لأنه قاتم جداً. على الرغم من أننا ندرس الكرونا من الفضاء بواسطة أجهزة تسمى كرونوجراف أو الرسام البياني للهالة الشمسية – حيث يتم عمل كسوف اصطناعي باستخدام قرص معدني لحجب وجه الشمس- لا تزال هناك بعض المناطق العميقة من الغلاف الجوي للشمس يمكن رؤيتها فقط خلال كسوف الشمس الكُلي. بسبب خاصية ضوئية تسمى انحراف الضوء (أو حيود الضوء) ،يجب على القرص التابع للكروناجراف حجب كل من سطح الشمس وجزء كبير من الإكليل من أجل الحصول على صور دقيقة وواضحة. ولأن القمريكون بعيد جداً عن الأرض أثناء الكسوف -بما يقرب من 230000 ميلاً- فإن خاصية حيود الضوء لا تسبب أي مشكلة، والعلماء قادرون علي قياس الكرونا السفلية بالتفاصيل الدقيقة.
وكالة ناسا حققت استفادة كبيرة من كسوف 21 أغسطس 2017، حيث قامت بتمويل 11 بحث علمي في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ستة من تلك الأبحاث خُصصت فقط للتركيز على هالة الشمس.
علاقة الشمس بالمناخ الفضائي
شمسنا عبارة نجم نشط يطلق باستمرار الجسيمات المشحونة والمجالات المغناطيسية المعروفة باسم الرياح الشمسية. تلك الرياح الشمسية مع كتل إكليل الشمس -وهي انبعاث المواد من إكليل الشمس في الانفجارات الشمسية وهي من الظواهر الطبيعية في الشمس ويعتبر هذا الانفجار من أشد الإنفجارات قوة في نظامنا الشمسي- يمكنهما معاً التأثير على المجال المغناطيسي للأرض، وإرسال جزيئات تنهمر فى غلافنا الجوي، وعندما تكون مكثفة، فإنها تؤثر بقوة على الأقمار الصناعية. وعلى الرغم من أننا قادرون على تتبع هذه الانفجارات الشمسية عند خروجها من الشمس، فإن إمكانية التنبؤ بوقت حدوث تلك الانفجارات تكمن في دراسة أصول الطاقة المغناطيسية المخزنة في الإكليل السفلي للشمس.
فريق بقيادة (فيليب جادج – Philip Judge) من مرصد High Altitude في مدينة بولدر، بولاية كولورادو، استخدموا أدوات جديدة لدراسة أساس المجال المغناطيسي وقت ظهور الاكليل من خلال تصوير هذه الطبقة الجوية وقت حدوث الكسوف الكُلي. تلك الأدوات التقطت صوراً للإكليل لرؤية الأثر الذي تركه المجال المغناطيسي في موجات مرئية وقريبة من الأشعة تحت الحمراء فوق قمة جبل بالقرب من مدينة كاسبر بولاية وايومنغ، وسوف يعزز البحث فهمنا لكيفية تأثير الشمس على المناخ الفضائي.
يقول جادج “نريد أن نقارن بين بيانات الأشعة تحت الحمراء التي نلتقطها وبيانات الأشعة فوق البنفسجية التي سجلها مرصد الديناميات الشمسية والأقمار الصناعية التابعة لناسا، هذا العمل سوف يؤكد أو يدحض فهمنا عن كافة أطياف طبقة الكرونا، ومن ثم يساعدنا في تخطي العديد من تلك العقبات التي تواجهنا”